رسالة ناصر الزفزافي: من السجن إلى قلب الأب.. قصة وجعو أمل

تُعد الرسالة التي نشرها ناصر الزفزافي، الناشط السياسي المغربي، عن زيارته الأخيرة لوالده في المستشفى، نصاً مؤثراً وعميقاً، يكشف عن أبعاد إنسانية . إنها قصة وجعٍ دفين، وأمل في الشفاء، وتأكيد على قوة الروابط العائلية التي لا تستطيع القضبان أن تهزمها،
بدأت الزيارة بشكل مفاجئ، حيث دخل ناصر على والده وهو في غرفة الإنعاش، محاطاً بالأجهزة، وجسده منهك. كانت تلك اللحظة بمثابة صدمة عاطفية، لكن ما أن سمع الأب صوت ابنه حتى فتح عينيه على الفور، وكأن قوة خفية قد دبت في جسده المنهك.
لم تكن الكلمات ضرورية في تلك اللحظة، فدموع الأب التي فاضت كانت أبلغ تعبير عن الشوق والفرح، ممزوجة بظن خاطئ أن ابنه قد خرج من السجن. وعندما أدرك أن الزيارة هي مجرد لقاء عابر، تبدلت ملامحه، وارتفعت نبضات قلبه، مما يؤكد أن الحالة النفسية والعاطفية للمريض لها تأثير مباشر على صحته، و
تزداد قصة الألم عمقاً مع دخول الأم، التي كانت هي الأخرى على كرسي متحرك بسبب معاناتها الصحية. منظر الوالدين وهما في هذه الحالة جعل الأب يبكي مرة أخرى، محاولاً الحديث مع ابنه، لكن قوته لم تسعفه.
وهنا، ظهرت لغة أخرى: لغة الإشارة. طلب الأب قلماً وورقة، لكن يداه كانتا واهنتين عن الكتابة. فقام الأخ بترجمة الإشارات، والتي كانت تحمل وصايا مؤثرة: « يريدك معه » و »يوصيك بالاعتناء بوالدتك ». كانت تلك الوصايا رسالة حب وقلق، تعكس عمق العلاقة بين الأب وابنه.
وفي وسط كل هذا الوجع، جاءت « المعجزة الربانية » كما وصفها ناصر، حيث اختفى السرطان من بعض الأماكن في جسد الوالد وانخفض في أخرى. هذه النقطة المضيئة في وسط الظلام تؤكد أن الأمل لا يموت، وأن الإيمان بالشفاء أقوى من المرض ذاته، لكن
لحظة المغادرة كانت قاسية. احتج الأب على رحيل ابنه بطريقة مؤثرة، حيث قام بنزع الأجهزة المتصلة به، في تعبير عن رفضه للبعد والفراق. هذا الاحتجاج لم يكن مجرد تصرف عابر، بل كان صرخة صامتة تعبر عن كل ما يعانيه الأب من شوق وحزن.
تختتم الرسالة برسالة تحمل الكثير من الصبر والدعاء، حيث يقول ناصر: « ماذا عساي أفعل غير أن أصبر على ما يمر به والدي ». هذه الكلمات تلخص جوهر التجربة الإنسانية، وتؤكد أن الأمل والإيمان والصبر هي الأسلحة الوحيدة في مواجهة الشدائد.