
د
في العديد من القرى والبوادي، تتجدد كل عام قصة لا تنتهي من الصراع المرير بين الساكنة المحلية والرعاة الرحّل. إنها حكاية تتجاوز مجرد خلاف على حدود أرض، لتُصبح صراعًا على الحقوق، الأمن، والكرامة. فما يراه الفلاحون ثمرة سنوات من العمل الشاق، يراه الرعاة مجرد مرعى طبيعي لقطعانهم، و لا تتدخل السلطات غالبًا تبقى محايدة، و
تبدأ القصة مع وصول قطعان الماشية الجائعة التي تقتحم الحقول والمزارع. لا تُفرّق الأغنام بين شجرة لوز عمرها عشرات السنين، أو شتلة زيتون زُرعت حديثًا. تُفسد المحاصيل، وتتلف الأشجار التي تُعدّ مصدر رزق العائلات الوحيد. هذه الأضرار ليست مجرد خسارة مالية، بل هي إحباط كبير لفلاحين بذلوا جهودًا جبارة في رعاية أراضيهم. هذه التعديات تُثير غضبًا عارمًا في نفوس السكان، الذين يجدون أنفسهم عاجزين أمام تهديدات أصحاب المواشي، الذين يُظهرون لامبالاة واضحة بممتلكات الغير، و
عندما يتدخل المسؤولون المحليون، غالبًا ما تكون حلولهم سطحية ومؤقتة. فترحيل الرعاة من دوار إلى آخر ليس إلا عملية ترحيل للمشكلة نفسها، وليس حلًا لها. هذا الأسلوب يُشعر السكان بأنهم مجرد بيادق في لعبة لا تُراعي حقوقهم. كما أنه يُكرر المعاناة في قرية أخرى. إن هذا التعامل لا يُسهم في حل الأزمة، بل يُعمق من الإحساس بالظلم، ويُرسّخ فكرة أن حقوق الفرد تُهدر بسهولة،

كما
أن المشكلة ليست في غياب القوانين، بل في غياب تطبيقها الفعّال. هناك قوانين واضحة تُجرم التعدي على الملك الخاص وتُعاقب على إتلاف ممتلكات الغير. فالحل ليس في إيجاد قوانين جديدة، بل في تفعيل الموجود منها.
يجب على السلطات أن تتعامل مع هذه الظاهرة بشكل جذري، من خلال وضع خطة عمل شاملة تُحدد فيها مناطق الرعي بوضوح، مع التوعية بحقوق الملكية الخاصة.
كما يجب على السلطات الأمنية والقضائية أن تُطبق القانون بحزم على كل من يُثبت تورطه في التعدي على ممتلكات الغير.
و كذلك من الضروري توفير الحماية للساكنة المحلية، التي غالبًا ما تتعرض للتهديدات عند محاولتها الدفاع عن ممتلكاتها.
إن التعدي على أراضي الساكنة هو شكل من أشكال الظلم والحكرة التي يجب أن تُتوقف. فالساكنة لا تطلب المستحيل، بل تطلب حماية حقوقها الأساسية، وحقها في العيش بسلام وأمان. حان الوقت لكي تُظهر السلطات المحلية التزامها الكامل تجاه مواطنيها، وتضع حدًا نهائيًا لهذه الفوضى.

