بقلم عبدالرحيم بخاش
لقد شهدت الساحة الإعلامية تغييرات جذرية في الآونة الأخيرة، وبرزت فيها مجموعة من المعايير التي باتت تُفرض على الممارسين، ومنها البطاقة المهنية التي أصبحت شرطًا لدخول الملاعب وممارسة العمل الصحفي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه البطاقة وحدها هي المعيار الحقيقي لقياس كفاءة الصحفي؟ أم أن هناك معايير أخرى، أكثر أهمية وتأثيرًا، يجب أن تُؤخذ في الحسبان؟
لطالما كانت الصحافة ميدانًا يتطلب الشغف، الالتزام، والأخلاق المهنية قبل أي شيء آخر. إن الصحفي الذي قضى سنوات طويلة في ملاعب الرياضة، يتابع تفاصيلها بدقة، ويعيش أحداثها عن قرب، قد اكتسب خبرة فريدة ومعرفة عميقة لا يمكن أن تُمنح عبر بطاقة أو شهادة. هؤلاء الصحفيون الذين انصهروا في قلب الأحداث، عايشوا لحظات الانتصار والهزيمة، وتواصلوا مع جماهير المدرجات بشكل مباشر، يمتلكون حسًا صحفيًا وتفهمًا لروح الرياضة قد يعجز عن تحقيقه من يحمل بطاقة مهنية دون تجربة حقيقية.
إذا نظرنا إلى المصورين الرياضيين الذين أمضوا عقودًا في توثيق لحظات خالدة، نجد أن عدساتهم قد التقطت ما عجزت عن رصده الكلمات. هؤلاء المصورون لا يجيدون فقط فن التصوير، بل يعرفون كيف يلتقطون اللحظة التي تعبر عن روح اللعبة، عن الانتصار، وعن الخيبة. فهل يمكن لمجرد بطاقة أن تمنح هذا الفهم العميق؟ وهل يمكن أن نسمح بأن تصبح معايير دخول الملاعب وحضور الفعاليات قائمة فقط على وثيقة قد يحملها من لا يملك الشغف أو الالتزام بأخلاقيات المهنة؟
لنكن واقعيين، إذا طرحنا السؤال على المدرجات نفسها، على الجماهير التي عايشت هؤلاء الصحفيين والمصورين لعقود، قد تجدها تخجل من بعض الأسماء نقشت بحبر من ذهب تاريخ مليء بالابداع والفن الحقيقي ليس التي تحمل بطاقات مهنية لكنها تفتقر إلى روح المهنة. في المقابل، قد تجد تلك الجماهير تثني على أسماء لا تحمل سوى احترامها لأخلاقيات المهنة وولعها بالرياضة، لأنها عاشت التجربة بصدق وأمانة.
فالصحافة الرياضية ليست مجرد تغطية للأحداث أو نقل للوقائع، بل هي فن يدمج بين الخبرة، الموهبة، وأخلاقيات المهنة. والميدان الحقيقي الذي يختبر الصحفي ليس البطاقة المهنية، بل الممارسة الفعلية، والتجربة الحية، والقدرة على التواصل مع الجمهور بشكل يجسد جوهر الرياضة.
فاظن ان الرسالة واضحة ويجب أن نعيد النظر في المعايير التي نعتمدها لدخول الملاعب وممارسة الصحافة الرياضية. البطاقة المهنية قد تكون أداة تنظيمية، لكنها ليست المعيار الحقيقي. إن ما يجعل الصحفي أو المصور متميزًا هو مدى التزامه بأخلاقيات المهنة، وعمق تجربته، وقدرته على تقديم محتوى يُحترم من قبل الجمهور . علينا أن نحافظ على هذه القيم الأساسية، وأن نقدر كل من كرس حياته للملاعب، ليكون نموذجًا يُحتذى به في عالم الصحافة الرياضية