
بقلم عبدالرحيم بخاش
الفرق بين دولة الملوك وحكم الجنرالات: قراءة في مشهد مغاربي مفترق
في قلب المغرب الكبير، وبين بلدين يجمعهما التاريخ وتفرّق بينهما العقيدة السياسية، تقف الجزائر والمغرب على طرفي نقيض. الأول يحكمه العسكر منذ فجر الاستقلال، والثاني تقوده مؤسسة ملكية ضاربة الجذور، تتجدد مع الزمن لكنها لا تتنكر له. وهنا يتضح الفرق بين دولة الملوك ودولة الجنرالات، بين حكمٍ يرنو إلى الاستقرار والتنمية، وحكمٍ جعل من لغة السلاح دستورًا غير مكتوب.
منذ نيلها الاستقلال، لم تعرف الجزائر حُكمًا مدنيًّا بالمعنى الحقيقي. كانت السيادة دومًا في يد زمرة من الجنرالات، يحكمون من وراء ستار، يغيّرون الوجوه دون تغيير السياسات، ويوزعون المناصب على أساس الولاء لا الكفاءة. الرؤساء في الجزائر إما دمى متحركة أو شهداء صامتون لنظام لا يقبل الشراكة، نظامٌ اعتاد توريث السلطة من جنرال إلى آخر كما تورّث الغنائم في زمن الفوضى. أما الحكم المدني، فما هو إلا واجهة تخفي دولة عسكرية لا تؤمن إلا بالقبضة الحديدية.
في المقابل، المغرب يسير على نهج آخر، نهج استقرار يستمد شرعيته من التاريخ والبيعة، لا من البندقية. الملكية المغربية لم تكن عبئًا على الدولة، بل صمّام أمان، تستمد قوتها من علاقة وجدانية مع الشعب، ومن مؤسسة حافظت على استمراريتها وسط العواصف. ملوك المغرب لا يحكمون بالقهر، بل يسعون إلى الإصلاح المتدرج، ويمدّون أيديهم للسلام حتى في وجه العداء.
وهنا يكمن الفرق الجوهري: الجزائر رهينة جنرالات لا يرون في الجغرافيا سوى خنادق، ولا في الشعوب سوى أوراق ضغط، بينما المغرب دولة ملوك تنشد التكامل والتعاون رغم الخناجر.
كم من مرة مدّ المغرب يد السلام! كم من نداء أطلقه الملك محمد السادس لتجاوز الخلافات؟ لكن العقل العسكري الجزائري لا يفقه في السياسة إلا منطق المؤامرة، ولا يجد في استقرار المنطقة مصلحةً له، بل تهديدًا لسلطته. كيف لنظامٍ يرى في مجموعة مرتزقة كالبوليساريو ممثلًا « شرعيًا »، ويغدق عليها من ثروات الشعب الجزائري، أن يبني دولة؟ كيف لنظامٍ يملك ثاني أكبر احتياطي غاز في إفريقيا، أن يعجز عن إطعام شعبه، بينما يصرف الملايير على التسلح والدعاية العدائية ضد جارٍ يمدّ له اليد؟
في الجزائر، تُنهب الثروات باسم « الدفاع عن السيادة »، وتُهرّب الأموال إلى الخارج باسم « الأمن القومي »، ويُقمع المثقفون باسم « الوحدة الوطنية »، وتُباع أوهام البطولة لشعبٍ يتخبط في الفقر والبطالة… أما في المغرب، فهناك منجزات، وإن لم تكن مثالية، فهي قابلة للملاحظة: تنمية، بنية تحتية، سياسة خارجية متزنة، ومحاولات إصلاحية على مختلف الأصعدة.
إن الخلاف بين النظامين ليس نزاعًا سياسيًّا فحسب، بل هو صراع بين من يؤمن بالدولة ومن يخشى قيامها، بين من يُقدّس المؤسسات ومن يحتكرها باسم « الشرعية الثورية »، بين من يريد مغربًا عربيًّا موحدًا، ومن يرى فيه خطرًا على بقائه.
لقد آن الأوان لشعب الجزائر أن يدرك أن عدوه ليس في الرباط، بل في من يصنع له عدوًا كل يوم… آن له أن يسائل جنرالاته: أين تذهب أموال الغاز؟ ولماذا لا تزال الجزائر تائهة في صراعات الستينات بينما العالم يتغير من حولها؟
سيظل المغرب شامخًا بمؤسساته وشرعيته التاريخية، وسيمد يده دومًا، لا ضعفًا بل ثقةً في النفس، وسينتصر صوت الحكمة على طبول الحرب، طال الزمن أم قصر.
؟
