قانون الصحافة الجديد بين التنظيم والتأويل: اختلافٌ رحيم أم هدمٌ مقصود؟

بقلم عبدالرحيم بخاش

قانون الصحافة الجديد بين التنظيم والتأويل: اختلافٌ رحيم أم هدمٌ مقصود؟
في كل دولة تسعى إلى الرقي وبناء مؤسسات قوية، يكون القانون هو الناظم الأساس، والمرآة التي تعكس إرادة الإصلاح واستشراف المستقبل. ومن بين أهم القوانين التي تشكل نبض المجتمعات وتلامس يوميات الناس، يبرز قانون الصحافة كرافعة للتعبير الحر من جهة، وكضابط للمسؤولية المهنية من جهة أخرى. واليوم، ونحن نعيش جدلاً واسعاً حول مشروع قانون الصحافة الجديد، تطفو على السطح أصواتٌ متباينة، بين مؤيد يرى فيه ضرورة تنظيمية طال انتظارها، ومعارض يراه تقييداً مقنعاً في عباءة التحديث.
لكن… ما حقيقة الأمر؟
الحقيقة أن القانون، في جوهره، ليس سوى أداة لتنظيم الممارسة، لا لتكميمها. ولست هنا بصدد الانحياز الأعمى لأي جهة، بل أكتب بتمعنٍ، لا بين السطور فحسب، بل في الحروف ذاتها، حيث تكمن التفاصيل التي يتغافل عنها الكثيرون ممن استسهلوا إطلاق الأحكام الجاهزة.
إن ما لاحظته من خلال متابعة النقاشات هو أن كثيراً من الانتقادات الموجهة للمشروع تنطلق من عناوين عريضة، تخلو من العمق، وتحمل في طياتها نوايا مشوشة، وكأن القانون كُتب خصيصاً لإقصاء فئة معينة أو لقمع صوت بعينه. غير أن من يقرأ نص المشروع بتمعنٍ، سيجد أن أغلب مقتضياته تذهب في اتجاه تعزيز مهنة الصحافة، وحماية الصحفي من الاستغلال، وتنقية الحقل من الدخلاء والمتطفلين الذين أساؤوا للمهنة أكثر مما خدموها.
نعم، لا أحد ينكر أن هناك بنوداً قد تُناقش، وتُراجع، ويُنظر فيها، وهذا من طبيعة القوانين الحية، ولكن الهدم الكامل باسم النقد ليس من شيم أهل الصحافة الراسخة في أخلاقياتها. ثم إنّ من له مصلحة في بقاء الفوضى، هو من يعارض أي تنظيم؛ لأنه ببساطة لا يستطيع البقاء في بيئة شفافة وواضحة المعالم.
وأتساءل هنا بكل صدق: هل من مصلحة الصحفي أن يبقى دون حماية قانونية واضحة؟ هل من المنطقي أن نطالب بالحرية دون التزام، أو بالمهنة دون إطار؟ إن الدعوة إلى فوضى « اللا قانون » ليست دفاعاً عن حرية التعبير، بل هي تمويه يُراد به تعكير صفو الإصلاح وإبقاء الوضع على ما هو عليه.
الاختلاف في الرأي – نعم – رحمة، بل هو دليل على صحة الحراك المجتمعي، لكن عندما يتحول إلى سوقٍ للمزايدات السياسية والإعلامية، وورقةً للضغط باسم « الحريات »، فإنه يفقد روحه، ويتحول إلى أداة للهدم بدل أن يكون لبنة للبناء.
في النهاية، أدعو الجميع، من مهنيين ومتابعين، إلى قراءة المشروع قراءة متأنية، هادئة، ومسؤولة، فالمعركة ليست بين « مؤيد ومعارض »، بل بين من يسعى للإصلاح، ومن يخشى أن ينكشف القناع.
فالقانون الجديد، في صورته الكبرى، ليس نهاية المطاف، بل بدايةٌ لصحافة أكثر مهنية، وكرامة، واستقلالاً.