
بقلم عبدالرحيم بخاش
حينَ تُصبحُ الأخوّةُ خصامًا… وتُطفئُ القطيعةُ وهجَ الدم
ما الذي جرى؟
أيّ ريحٍ سمَّمت صدورنا، فصرنا إخوةً في البطاقة، لا في الودّ ولا في اللقاء؟
هل كبرَ الحسدُ فينا حتى غطّى ملامحَ الطفولة؟ أم أن كبرياءنا صار أقسى من قلوب الغرباء؟
ننظر اليوم إلى بعضنا ببرود، كأنّ بيننا تاريخًا من العداوة، لا تاريخًا من الحليب المشترك، والسقف الواحد، والخبز المكسور على طاولة واحدة.
نُصادف بعضنا في الأعراس والجنائز، فنصافح بيد، ونخفي السيف في اليد الأخرى.
نبتسم كما تبتسم التماثيل، بلا روح… بلا حرارة.
كأنّ الدم الذي يجري في عروقنا لم يعد واحدًا، بل فرقته الأوهام وسوء الظن والأنانيات الصغيرة.
ما أعجزنا!
أعجزنا أن نعتذر؟ أن نلين؟ أن نجلس يومًا لنجمع شتات الودّ الذي تناثر في طريق السنين؟
قال علي بن أبي طالب:
« لا تقطع أخاك على ارتياب، ولا تهجر دون استعتاب ».
لكننا للأسف، أصبحنا نحترف الخصام، ونهوى القطيعة، ونرضى أن تذبل شجرة الأخوّة ونحن نرويها بالغياب.
ما أقسى هذا السلوك!
ما أبشعه حين يأتي من إخوةٍ جمعتهم الأرحام، وفرّقتهم نزوة كلام، أو ميراث، أو زوجةٌ حرّكت الغيرة، أو شُبهةٌ لم نتبيّنها.
لقد جعلنا من التافه عظيمًا، ومن الاختلاف كفرًا، ومن النقاش معركةً لا رابح فيها.
ونسينا، أو تناسينا، قول الرسول ﷺ:
« لا يدخل الجنة قاطع رحم ».
فكيف رضينا لأنفسنا أن نقطع ما أمر الله به أن يُوصل؟
أين عقولنا؟ أين ضمائرنا؟ أين دعاؤنا لأمهاتنا ونحن نكسر ما بنينه من محبة في لحظة غضب؟
نلوم الزمان، وهو بريء.
نلعن تغيّر الناس، ونحن أول المتغيرين.
نكتب كلمات الحنين على الفيسبوك، ونحمل السيف في صدورنا تجاه إخوتنا!
إنه النفاق بعينه…
نتغنى بالأخوّة أمام الناس، ونطعنها في الخفاء بصمت القطيعة وجمود القلب.
فلنصحو قبل أن تُغلق الأبواب…
قبل أن نندم عند قبر أخٍ لم نُصالحه، أو أختٍ لم نُسلّم عليها لسنين، ثم نبكي بحسرةٍ لا تُجدي.
الصلح لا يُنقص من الكرامة، بل يزيد من الرجولة.
والمبادر لا يُعدّ ضعيفًا، بل هو الأقوى في ميزان الأخلاق.
عودوا إلى بعضكم…
فالحياة قصيرة، والموت لا ينتظر أن نتصافح.
والأخ إذا ضاع، لا يُعوّضه صديق، ولا يُجبر غيابه أحد.
