سامح قبل أن تغادر… فإن لكل راحل ميعاد

بقلم عبدالرحيم بخاش


سامح قبل أن تغادر… فإن لكل راحل ميعاد
سامح… قبل أن تترك هذه الدنيا، قبل أن تضع  على وسادة الرحيل الأبدي، قبل أن تنطفئ شمعتك وتغدو ذكرى في أذهان المودعين. سامح، فكل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. أيّ غرور هذا الذي أعمانا؟ وأيّ زمن هذا الذي أصبح فيه الإنسان يعانق الجدران وينسى مقبرة الغفران؟
صرنا نعيش زمنًا يُرفع فيه شعار الدين دون أن نعي جوهره. صرنا نُصلّي ونصوم، نُزكّي ونحج، ونشهد الشهادتين، ولكننا ننسى أن الدين معاملة، وأن الخلق الحسن أعظم عند الله من ألف نافلة. أليس من العار أن نؤدي الركوع ونسجد، ثم نظلم ونغتاب ونقاطع ونقسو؟ أليس من العبث أن نرفع أيدينا بالدعاء بينما قلوبنا تغلي حقدًا تجاه أقرب الناس إلينا؟
أين الأخوّة؟ أين ذاك الحبل المتين الذي كان يربط القلوب لا المصالح؟ لقد صار الأخ عدوّ أخيه، وصار الجار غريبًا، والأبناء عاقّين، بل والدبابات – التي صُنعت لحمايتنا – باتت تقف في وجه الوالدين، في وجه الرحمة، في وجه الوفاء. ما هذا الزمن الذي تآكلت فيه الأخلاق، وتحوّلت العلاقات إلى مجرد تبادل كلمات عبر شاشات؟
ألم يكفينا ما نراه من إخواننا في غزة؟ أليس في جوعهم ودموعهم وماءهم الملوّث وخبزهم اليابس درسٌ وعبرة؟ إنهم يتنافسون على الفُتات ونحن نتخاصم على المظاهر. إنهم يتسابقون لنجاة الروح، ونحن نتقاتل على زخرف الفانية! ألم تُشاهدوا الأبراج كيف سقطت؟ في غزة، في إيران، في إسرائيل، أبنية من حجر صارت رمادًا، ومعها سقطت أوهام التعلّق بالخلود الزائف
فهل نستفيق قبل فوات الأوان؟ هل نوقظ ضميرنا الغافي؟ هل نترك الله الغفّار يغفر لنا، لكن بعد أن نغفر نحن؟ بعد أن نُصلح ما بيننا، ونعفو عمّن أساؤوا إلينا، ونعتذر لمن أسأنا إليهم؟ سامح… فإن الحياة قصيرة، وذنوبها كثيرة. فاغسل قلبك بالتوبة، واغسل وجهك بماء العفو، واغسل يدك من الأذى. فآخر اسمك الذي سيُرفع للسماء لن يكون « فلان صاحب المال » أو « فلان صاحب العمارة »… بل هو صلاة رجلٍ قيل عنها: رحمكم الله.
أين أبنيتك؟ أين أملاكك؟ أين شهاداتك ومركباتك وحساباتك؟ كلها ستبقى، وستُدفن وحدك. وستُسأل: هل سامحت؟ هل رحمت؟ هل أحببت؟ أم كنت ظالمًا، متكبرًا، قاسيًا؟
تب، وعد. فالوقت يسرقنا والساعة لا تنتظر.