بقلم عبدالرحيم بخاش

حين يصير الوهم عقيدة والدجل سياسة: الجزائر بين حُكم الجنرالات ومسرحية الخطر الموهوم
سئمت الشعوب، وهرمت العقول، وضاقت الأرض بأهلها، حين تُختطف الأوطان من نُخبها، ويُكمم الفكر تحت بيادات العسكر، وتُختزل مفاهيم الوطن في شخص جنرال متعجرف، أو رئيس خُطّ خطابه في دهاليز الغياب. في الجزائر، حيث الجغرافيا تنادي بالأخوة، والتاريخ يصرخ بالقربى، والثقافة تصب في نهر واحد من المعنى، أبت آلة الحكم إلا أن تزرع بذور الشك في الحقول الطاهرة، وتزرع على الحدود ألغام الفُرقة بدل زهور الجوار.
ما الذي جنته الجزائر، وهي تحت قبضة الجنرال شنقريحة ومن يدور في فلكه؟ وما الذي جناه الشعب الجزائري النبيل، وهو يُحاصر بالخطابات الجوفاء، ويُطعم الوهم باسم السيادة والتهديد الخارجي؟ من ذا الذي أقنع العقل الجمعي بأن كل مصيبة من وراء الحدود، وأن كل تأخر سببه مؤامرة مغربية، أو مكيدة تونسية، أو دسيسة موريتانية؟ أليس في هذه التمثيلية البائسة استخفاف بالعقل، وإهانة للتاريخ المشترك؟
حين يُدار البلد من وراء نظارات عسكرية لا ترى إلا في مرمى البنادق، يغدو المواطن مشروع شهيد في حرب لم تُعلن، ولم تُخَطَّط، ولم تُرَسم إلا على سبورة الجنون. تُهدر الميزانيات في التسليح، وتُنفق المليارات في استيراد الموت، بينما المستشفيات تنهار، والطرقات تتآكل، والمدارس تُضام، والبطالة تفتك بالشباب كأنها طاعون من عهد الجاهلية.
أليس الأَولى أن يُنفق مال الشعب على تنميته، لا على رشوة جنرال روسي، أو اقتناء صاروخ لا هدف له سوى التباهي الأجوف؟ أليس الأجدر أن يُحترم الشعب الجزائري العظيم، لا أن يُستهزأ بوعيه في نشرات تُسَوّق له أن الأخ الشقيق هو العدو؟ أي كذبة هذه؟ وأي مسرح عبثي يُراد له أن يُعرض على جراح أمة أنهكها الاستبداد؟
يا تبون، يا من جئت على ظهر صمتٍ كثيف… أما آن لك أن تنطق بكلمة حق في حضرة باطل الجنرالات؟ أم أن الكرسي قد قيّد لسانك وأغلق قلبك؟ وأنت يا شنقريحة، يا من أُريد لك أن تكون ظل بوتفليقة ووريث ظله، أليس من العار أن تُدار البلاد كأنها ثكنة، وتُساق الأمة كما تُساق الفرق في المعسكرات؟ أما تعلم أن الحكم بالرعب لا يدوم، وأن صرير الدبابات لا يُخرس صوت الشعوب؟
يا أبناء الجزائر، يا من في قلوبكم لا تزال تنبض روح نوفمبر ووهج الشهداء، أما آن للغفلة أن تزول؟ أما آن للبصيرة أن تشرق؟ إن من يوهمكم بعدو وهمي، هو العدو الحقيقي. من يمنع عنكم الحياة الكريمة باسم الخطر الخارجي، هو صانع الخطر الداخلي. ومن يُقنعكم أن كل مصيبة تُحاك خارج الوطن، هو من حاكها في غرف السياسة المغلقة.
ليس بين الجزائر والمغرب عداوة، ولا بين تونس والجزائر ثأر، ولا بين الشعوب حدود. العداوة حيث الجهل، والثأر حيث الاستبداد، والحدود حيث تقف العقول.
ستسقط الأقنعة، كما تسقط أوراق الخريف، وستنكشف الوجوه، وتبقى الشعوب، ويهوي الطغاة من علوّ أوهامهم. أما الجزائر، فستبقى الجزائر… أرضًا حرة، وشعبًا كريمًا، شاء من شاء وأبى من أبى.
