
تُعد السياحة في المغرب قطاعاً حيوياً وركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، وفي ظل المنافسة الإقليمية الشرسة، خاصة من دول مثل إسبانيا، يصبح كل تصرف من المسؤولين محط أنظار. إن النقاش الدائر حول صورة رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، وهو يتناول وجبة طعام خارج البلاد، وما أثير حوله من تكلفة باهظة، لا يمكن فصله عن التحديات التي يواجهها القطاع السياحي في الداخل.
صورة المسؤول، بحكم موقعه، تحمل رمزية كبيرة. عندما يختار رئيس الحكومة، أو أي مسؤول رفيع المستوى، قضاء عطلته في وجهة أجنبية، خاصة إذا كانت وجهة سياحية منافسة، فإن ذلك قد يُفسر على أنه رسالة غير مباشرة حول تفضيله للسياحة الأجنبية على الوطنية. وفي ظل دعوات متكررة لدعم المنتج المحلي والسياحة الداخلية، يُصبح هذا التصرف موضع تساؤل، حيث يرى البعض أن القدوة تبدأ من القمة. ورغم أن السفر حق شخصي، إلا أن السياق الاجتماعي والسياسي يحتم على المسؤولين إدراك التأثير الرمزي لتصرفاتهم.
هذا الجدل يتقاطع بشكل مباشر مع قضية أخرى تسيطر على نقاشات مواقع التواصل الاجتماعي: وهي ارتفاع أسعار المرافق السياحية في المغرب ، حيث تُظهر العديد من المنشورات والتعليقات على المنصات الرقمية شكاوى متزايدة من أسعار اعتبرها النشطاء مبالغًا فيها في بعض المطاعم، المقاهي، والفنادق. هذه الشكاوى، وإن كانت في بعض الأحيان تعكس حالات فردية، فإنها تُعمم بسرعة وتُعزز من الانطباع بأن المغرب أصبح وجهة سياحية باهظة الثمن، وهو ما قد يؤثر سلبًا على قرار السائح المحلي والأجنبي، ما يجعل الكثيرين يتسائلون
، هل هذه المنشورات تعكس واقعًا حقيقيًا أم أنها حملة ممنهجة لتشويه سمعة السياحة الوطنية؟ الواقع هو أن هناك مزيجًا من الأمرين. من ناحية، هناك بالفعل حالات ارتفاع في الأسعار في بعض الأماكن، وهذه الظاهرة تستحق المراجعة والتدخل من الجهات المعنية لضمان التوازن بين الجودة والسعر. ومن ناحية أخرى، فإن سرعة انتشار هذه المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي قد تُضخم من حجم المشكلة وتُعطي انطباعًا خاطئًا بأنها ظاهرة عامة في كل أنحاء المملكة،
و يبقى التحدي الحقيقي للسياحة المغربية لا يكمن فقط في المنافسة الخارجية، بل أيضًا في كيفية إدارة صورتها الداخلية والخارجية، و يتطلب الأمر عملًا متكاملًا:
على مستوى المسؤولين ، يجب أن تكون هناك قدوة في دعم السياحة الوطنية من خلال تفضيل الوجهات المحلية وقضاء العطل فيها، مما يبعث رسالة إيجابية للمواطنين والسياح على حد سواء،أما
على مستوى القطاع فيجب على أصحاب المرافق السياحية مراجعة سياسات التسعير لديهم لضمان أسعار عادلة تتناسب مع جودة الخدمات المقدمة، و كذلك
على مستوى الإعلام والتواصل الاجتماعي عليهم توعية الجمهور بضرورة التمييز بين الحالات الفردية والواقع العام، مع إعطاء مساحة للتجارب الإيجابية التي لا تقل أهمية عن التجارب السلبية.
في النهاية، فإن النقاش حول صورة المسؤول وارتفاع الأسعار في المرافق السياحية يعكسان الحاجة الملحة إلى استراتيجية سياحية شاملة تأخذ بعين الاعتبار ليس فقط الترويج الخارجي، بل أيضاً تحسين التجربة السياحية في الداخل، وضمان أن تكون السياحة الوطنية خيارًا جذابًا ومتاحًا للجميع، مسؤولين ومواطنين على حد سواء.
