بقلم عبدالرحيم بخاش

في فصول هذا العبث المُمنهج، حيث يُستبدل الجوهر بالقشور، وتُسوَّق الرداءة تحت شعاراتٍ جوفاء، يقف أبناء الحيّ المحمدي اليوم على ركام ذاكرةٍ يُراد محوها، وهم شهودٌ على جريمة ثقافية مكتملة الأركان، تُرتكب ببرودة دمٍ إداريّ، وتواطؤٍ مفضوح من مسؤولي المقاطعة
طارق الزياني، طارق الخالدي، أحمد ب عودة، سيمو راني، زبير اعميمي، عبد الواحد ديبان، وأيوب السرحاني…
أيادٍ نَبَتَت من تُراب هذا الحيّ، وأصواتٌ انبثقت من صمته العريق، ومواهب لم تُصنع في معامل التسويق، بل تخلّقت في العتمة، وتكوّنت على ضوء الشموع. جيلٌ لم يستجْدِ فرصة، ولم يلهث خلف عناوين فارغة، بل أعطى، وصبر، ونَحَتَ لنفسه موضعًا في وجدان الناس قبل دفاتر المؤسسات
ورغم ذلك، شاءت الأهواء أن تُقصيهم، لا بذريعةٍ وجيهة، بل لأنّهم أبناء حيّ لا يتقن فنّ التملّق، ولا يجيد لعق الأحذية اللامعة. في مهرجانات المقاطعة الأخيرة، أُسقطت أسماؤهم عمدًا، لا نسيانًا، بل تجاهلًا، وكأنّهم دُخلاء على حاضرتهم، أو غرباء في عقر دارهم.
فأيّ خيانةٍ للمعنى هذه؟
وأيّ عبثٍ بالعدالة الرمزية؟
كيف يُعقل أن يُنحّى أبناء الأرض، وتُستورد أسماء من خارج الحيّ، لا قرابة لها بالمكان، ولا عشيرة لها في وجدانه؟ أليس ذلك تزويرًا ثقافيًّا للهوية؟ ألا يُعدّ هذا طمسًا للذاكرة باسم الانفتاح الزائف؟
أيها السادة في المقاطعة
إنّكم لستم رعاةً للفنّ، تُقصون من يستحقّ، وتُكرّمون من لا فضل له سوى القرب من مكاتبكم. ومهما زيّنتم هذا الانحياز بمسوّغاتكم الواهية، فإنّ التاريخ لا يُنصت للأعذار، بل يُدين الوقائع
الحيّ المحمدي لم يكن يومًا صدىً لغيره، بل كان هو الأصل، والنبض، والبدء. فإن جرّدتم أبناءه من حقّهم، فقد دنّستم المكان، وخنقتم الروح، وأعلنتم الولاء للسطحية على حساب العمق، وللتمثيل الكاذب على حساب الحضور الحقيقي.
ويا أبناء الحيّ، لا تنتظروا من المقاطعة إنصافًا… فإنّ من لا يرى النور فيكم، قد أعمته مصالحه. سيروا في دربكم، فأنتم أبناء الصخر، لا تُثنيكم ريح الإدارات، ولا تُغريكم حفلات الزيف
وإن أقصوكم من المهرجان، فأنتم المهرجان نفسه
