صلاح الدين بصير: أسطورة كروية ترعرعت في الظل وأشرقت في المجد

بقلم عبدالرحيم بخاش


في سجل الكرة المغربية، تتلألأ أسماء خالدة خطّت لنفسها مكانًا أبديًّا في ذاكرة الأمة، لكن قلّما وُلد اسم مثل « صلاح الدين بصير »، ذاك الفتى الذي خرج من رحم درب غلف الشعبي، فصار أيقونة كروية تستحضرها الألسن كلما نطقت الجماهير: بصير بصير هوه هوه!
نشأ صلاح الدين بصير في كنف أسرة مغربية متواضعة، جمعت بين الفقر المادي والغنى الروحي، فوالده، الذي كان إمامًا لمسجد، غرس في روحه معاني الطهر والانضباط، قبل أن يلقى وجه ربه وهو ساجد، تاركًا وراءه ميراثًا من التقوى، وربما ذاك السجود الأخير كان بمثابة دعاء مستجاب لابن سيحمل الراية المغربية إلى مصاف العالمية.
من أزقة درب غلف المتواضعة، حيث الكرة تُلعب بين الأزقة والحُلم يُنسَج بين العيون اللامعة، بزغ نجم صلاح الدين بصير. لم يكن يملك أدوات النجاح كما يملكها أبناء الأندية الكبرى، لكنه امتلك قلبًا لا يعرف الانكسار، وقدَمًا تعرف طريق الشباك.
انطلقت مسيرته الاحترافية من فريق الرجاء الرياضي، حيث خطف الأنظار بلمساته السحرية وانقضاضه الذكي داخل منطقة الجزاء. لكن الانفجار الحقيقي لمسيرته جاء خارج الحدود، حين حمل قميص نادي ديبورتيفو لاكورونيا الإسباني، وكتب اسمه بأحرف نارية في الليغا، حيث راوغ، وسجل، وراكم احترام الصحافة والجمهور.
لكن الحدث الذي جعل من اسمه نشيدًا على كل شفة ولسان، كان مونديال فرنسا 1998. في ليلة خالدة، حين واجهت المغرب منتخب إسكتلندا، دوّى صوته في قلب الكرة الأرضية، حين سجل هدفين رائعين، وأبهر الجميع بانسيابيته ورشاقته، فغدت « بصير بصير هوه هوه » أكثر من هتاف، بل نغمة وطنية تنبض بالاعتزاز.
لم يكن بصير لاعبًا عاديا، بل كان مهاجمًا يمتلك حاسة شم خارقة أمام المرمى، يعرف متى يهرب من الرقابة، ومتى يتسلل كالخيال ليسكن الكرة في الزاوية المستحيلة. وقد قال عنه كثير من المحللين الأوروبيين آنذاك إنه مهاجم من طينة الكبار، ظلمته الجغرافيا ولم تنصفه الصفقات.
ورغم العروض والنجاحات، لم ينسَ بصير جذوره ولا درب غلف، حيث كان يردد دائمًا أن « النجومية لا تُقاس بعدد الأهداف، بل بمدى الصدق مع الجماهير ». ورغم اعتزاله، بقي اسمه حاضرًا في المجالس، كرمز من رموز الجيل الذهبي، وكمثال حيّ على أن الموهبة إذا التقت بالعزيمة، لا تقف أمامها الجبال.
بصير لم يكن فقط لاعب كرة، بل كان رواية مغربية مفعمة بالمعاناة والعزيمة والانتصار. هو ابن المغرب الحقيقي، ذلك الذي لا يُقاس بمقاسات المال والترف، بل بنبض الشارع وهمسات المساجد وحلم الوطن.
في زمن طغى فيه البريق المصطنع، يبقى صلاح الدين بصير جوهرة نادرة، ومثالاً خالدًا على أن المجد لا يولد في ملاعب النخبة، بل يُصنع في القلوب المؤمنة بأن الحلم مشروع، وأن العطاء طريق إلى الخلود.