بقلم عبدالرحيم بخاش

السهام الفرقة التي غنّت عن كلّ المواضيع… وما تزال تتسيّد المشهد الفني في المغرب وخارجه
في زمنٍ تتهاوى فيه القيم الفنية، وتتكسّر موجات الإبداع على صخور الابتذال والتكرار، بقيت فرقة واحدة تشقّ طريقها بثبات، حاملة راية الأصالة والتجدّد، مُنقوشة في ذاكرة الأجيال، راسخة كجبل الأطلس، سامقة كالنخيل، ترفرف رايتها فوق سماوات المغرب وخارجه، يتردّد صدى أغانيها في كل زاوية، وتتناغم نغماتها مع نبض القلوب.
ليست مجرّد فرقة موسيقية، بل هي مدرسة فنية قائمة بذاتها، حفرت اسمها بأحرف من ذهب في سجلّ الخلود، وتجاوزت حدود اللغة والجغرافيا لتغدو رمزًا ثقافيًا يتعانق فيه المحلي بالعالمي. غنّت عن الوطن، عن الحب، عن القضايا الإنسانية، عن هموم الإنسان البسيط وآماله المكسورة، فلامست بكلماتها ونبراتها جراح المجتمعات وأحلامها على حدّ سواء.
ومنذ نشأتها، لم تُسقط هذه الفرقة لواء الجودة ولا مرّة واحدة، بل ظلّت تصعد السلّم بدرجة الإتقان والوفاء للفن، دون أن تنجرّ خلف بريق الشهرة الزائف أو تسلك دروب التكرار المملّ. كل أغنية من أغانيها تُروى كقصيدة، تُغنّى كأنشودة وطن، وتُتلقّى كوصية من زمن الكبار
وما أجمل المفارقة: ففي الوقت الذي تغيّرت فيه الأذواق وتبدّلت المعايير، بقيت هذه الفرقة تحظى بالإجماع، تثير الحنين في نفوس من عاشوا مجدها، وتوقظ الفضول في قلوب من لم يلحقوا بوهجها الأول. لا مهرجان يُقام إلا وتُدعى إليه، ولا منصة تُنصب إلا وتصدّرتها، كيف لا وهي التي جمعت بين عمق الكلمة، وروعة اللحن، وحرارة الأداء؟
لقد رسّخت هذه الفرقة مكانتها لا فقط عبر أغانيها، بل من خلال مواقفها، وتشبثها بالقيم، ورفضها بيع الفن في سوق الاستهلاك الرخيص. لم تكن صوتًا فحسب، بل ضميرًا، لم تكن نغمة بل كانت نبضًا، لم تكن فرقة فقط، بل كانت أمّة تُغنّي.
ومن المغرب، عَبَرت هذه الكوكبة حدود المحيطات، فدوّى صوتها في أوروبا، واهتزّت المسارح في أمريكا الشمالية، وتعانقت ثقافات الشعوب على إيقاعها. لعلّ السرّ في ذلك يكمن في صدقها، في انتمائها، في ذاك النَفَس المغربي الأصيل الذي لم يفارقها رغم كلّ العواصف.
ختامًا، إنّ الحديث عن هذه الفرقة لا يُختصر في مقال، ولا يُلخّص في كلمات، فهي ظاهرة فنية وإنسانية تستحقّ أن تُدرّس، أن تُروى، أن تُخلَّد. ولعلّ أجمل ما قيل فيها هو ما ردّده الجمهور في كل ربوع الأرض: « أغانيهم ليست مجرّد موسيقى، بل مرآة لروحنا
الجماعية
لقد تميّزت أغاني مجموعة السهام بقدرتها الفريدة على الإمساك بنبض الشارع المغربي، والتعبير عن آماله وانكساراته، بلغة شاعرية قريبة من القلب، وصوتٍ متمرّد لا يعرف المجاملة. من بين أشهر أغانيهم التي بصمت تاريخ
الأغنية الملتزمة
أغاني خالدة… ذاكرة تنبض بالألم والحلم
« الحي المحمدي »
هي مرآة المكان الذي وُلدت فيه الفرقة، لا كتحية عابرة، بل كبيان فنيّ ينتمي إلى ذاكرة المكان وأهله. الأغنية لا تُصور الحي كفضاء جغرافي فقط، بل كرمز للمقاومة، للنضال، لليومي، وللحلم المعلّق على شرفات الفقر.
« أتاي »
هي من الأغاني التي عرف بها الجيل الثاني من السهام، وتحمل رمزية كبرى، إذ يرتقي فيها كأس الشاي المغربي من مجرد عادة يومية إلى رمز للأنس، والصداقة، والحلم الشعبي. الأغنية تجعلك تجلس مع الوطن على طاولة واحدة، لتشرب معه وجعه المصفّى في كؤوس من الصبر.
« كورونا »
أغنية وُلدت في سياق الجائحة العالمية، لكنها لم تكن مجرد ردة فعل، بل قراءة فنية عميقة لتحوّلات الإنسان المعاصر، وهشاشة وجوده، وضرورة إعادة التفكير في قيم التضامن، والوعي، والانتماء. بصوتها الهادئ العاصف، شكّلت هذه الأغنية لحظة تأمل جماعي في لحظة كونية استثنائية.
« تعيش بلادي »
أغنية أطلقتها المجموعة سنة 2021، عنوانها يحمل حبًّا واضحًا للوطن، لكنها ليست نشيدًا تقليديًا، بل دعاء فنيّ من أجل مغرب يحيا بالكرامة، ويعيش بالعدالة، ويحلم بأفقٍ أرحب. الأغنية تمزج بين الحنين والأمل، بين ما هو واقعي وما هو مرجوّ.
في أغاني السهام… نحن لا نستمع فقط، بل نرى ونشعر ونفكر
كل أغنية من أغاني « السهام » ليست لحظة سماع، بل لحظة إدراك. فالكلمات تُكتب بمداد التجربة، والألحان تُعزف بأوتار الوطن، والصوت يُطلق من قلبٍ مؤمن بأن الفن الحق لا يهادن، بل يُبصّر، يُوقظ، يُبني.
من هنا، ظلّت مجموعة السهام أرشيفًا شعبيًا حيًّا، ناطقًا بلغة الناس، وحارسًا لذاكرتهم. ومَن يُنصت جيدًا لأغانيهم، سيكتشف أن كل مقطع فيها هو صفحة من تاريخ المغاربة، المنسيّ منه والمكتوب، الموجِع منه والمضيء.
السهام…
ليست اسمًا على جدار،
بل رنينُ وطنٍ يشقّ صمتَ الليل،
وصدى أعماقٍ لا تُروى إلا بالغناء.
غنّت فاهتزّت الأرواح،
نادت فانبعث الحنين من رماد الذاكرة،
عزفت فأنطقت الوتَر،
وحرّكت ساكنًا فينا كنّا نظنه مات.
يا سهام الحيِّ…
يا نغمة من تمرّد،
يا قصيدة في هيئة فرقة،
يا رفاق الزمن الجميل،
أنتم النور حين يغمرنا ظلامُ الرداءة،
وأنتم الوطن حين تغيب الخرائط.
فامضوا كما بدأتم…
بصوتٍ لا يخون،
ولحنٍ لا يشيخ،
وروحٍ لا تُهزم.
مجموعة السهام… نبض الحي المحمدي وصدى الأمة
فنّ لا يُساوم، وصوت لا يموت
