فسحة الجمعة:ميرات الأخوات حقٌّ شرعيٌّ وواجبٌ دينيٌّ

تُعد قضية حرمان الأخوات من حقهن في الميراث من القضايا المنتشرة في بعض المجتمعات، والتي تتنافى مع تعاليم الإسلام السمحة. ففي كثير من الأحيان، يُقدم الأخ على الاستيلاء على ميراث أخته، مُستغلاً ضعفهن أو جهلهن بحقوقهن، متناسياً أن هذا الفعل يمثل اعتداءً صارخاً على ما أمر به الله تعالى ورسوله الكريم.
إن هذه الظاهرة لا تقتصر على فئة معينة، بل نجدها حتى عند من يظنون أنفسهم أقرب الناس إلى الله، كالحُجّاج والصالحين. فكيف يمكن للمرء أن يتقرب إلى الله بعباداته وهو يظلم أقرب الناس إليه ويأكل حقها؟
لقد أولى الإسلام قضية الميراث اهتماماً بالغاً، ووضع لها قواعد وضوابط محكمة لا تقبل الاجتهاد البشري. فآيات القرآن الكريم في سورة النساء تُعد بمثابة دستور يُنظم أحكام الميراث ويُحدد أنصبة كل وارث، سواء كان ذكراً أم أنثى.
يقول الله تعالى: « يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ » (النساء: 11). هذه الآية الكريمة تُحدد نصيب الابن وهو ضعف نصيب البنت، وهذا التفاوت ليس تفضيلاً للذكر على الأنثى، بل هو مراعاة لمسؤوليات كل منهما. فالذكر مُطالب بالنفقة على زوجته وأولاده، بينما الأنثى ليست مطالبة بذلك، بل هي مكفولة ومُعالة من قِبل زوجها أو أبيها أو أخيها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الشريعة الإسلامية لم تُحدد للمرأة نصيباً واحداً في الميراث، بل يختلف نصيبها باختلاف حالتها الاجتماعية ودرجة قرابتها للميت. فإذا كانت بنتاً فلها نصف نصيب الابن، وإذا كانت زوجة فلها الربع أو الثمن، وإذا كانت أماً فلها السدس أو الثلث.
فيما يتعلق بميراث الأخوات، فإن الشريعة الإسلامية قد أعطتهن حقوقاً واضحة، منها:
الأخوات الشقيقات أو لأب: إذا كان للميت أخوات شقيقات وليس له أولاد ذكور، فلهن الثلثان من التركة إذا كن أكثر من واحدة، وإذا كانت واحدة فلها النصف.
الأخوات لأم: إذا كان للميت أخوات لأم وليس له أولاد ذكور، فلهن الثلث من التركة إذا كن أكثر من واحدة، وإذا كانت واحدة فلها السدس.
إذا كان الميت له أخوات وأخوة: فإن نصيب الأخوات يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، أي أن الأخ يرث ضعف نصيب أخته.
إن من يعتدي على حق أخته في الميراث، فإنه يُقدم على كبيرة من الكبائر، ويقع في إثم عظيم يستوجب العقوبة في الدنيا والآخرة.
في الدنيا: حرمان الأخوات من الميراث يؤدي إلى تفكك الأسر وزعزعة الاستقرار الاجتماعي. فكم من عائلة تفرقت بسبب المال، وكم من أخوة تحولوا إلى أعداء بسبب طمع الأخ في ميراث أخته.
في الآخرة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ » (صحيح البخاري). وإذا كانت عقوبة من يظلم في شبر من الأرض عظيمة، فكيف بمن يظلم في حق كامل من التركة.
إن من يفعل ذلك يُعرِّض نفسه لغضب الله وعذابه، وربما يُحرَم من التوفيق والبركة في حياته. فكيف يرجو بركة في رزقه وهو قد أكل مالاً ليس له بحق؟
أخي الكريم، إن مال أختك الذي حرمتها منه هو حق لها، وليس منة منك عليها. فالله تعالى هو الذي أعطاها هذا الحق، وليس من حقك أن تسلبه منها.
تذكر أنك مسؤول أمام الله عن هذا المال، وسوف تُسأل عنه يوم القيامة. فإذا كان الله قد أعطاك رزقاً من فضله، فاجعل فيه بركة لك ولأبنائك، ولا تجعل فيه حرماناً لأختك.
إن صلة الرحم من أسمى العبادات، وحرمان أختك من ميراثها يقطع هذه الصلة. فاجعل ميراث أختك سبباً في توطيد علاقتكما، لا سبباً في انقطاعها.
كن قدوة حسنة لأبنائك، وعلمهم أن الحقوق لا تُهضم، وأن الأمانة واجبة، وأن صلة الرحم من الدين.
تذكر أن الدنيا فانية، وأن الآخرة هي دار البقاء. فاجعل عملك خالصاً لوجه الله، ولا تجعل مال الدنيا هو همك الأكبر.
وأخيراً، أيتها الأخت الكريمة، لا تتنازلي عن حقك في الميراث، فهو ليس حقك وحدك، بل هو حق لأبنائك وأسرتك. اطلبي حقك بالتي هي أحسن، فإن لم يُستجب لك، فاحتكمي إلى شريعة الله،فهي الفيصل بين الناس.