التسوّل 2.0… حين يصبح الشارع شركة مساهمة

بقلم عبدالرحيم بخاش
التسوّل 2.0… حين يصبح الشارع شركة مساهمة
أهلاً بكم في عصر “التسوّل العصري”، حيث لا حاجة لمدير ولا شهادة ولا حتى خبرة، يكفي أن تمتلك ابتسامة باهتة أو كرسيّاً متحركاً مستأجراً أو خرقة مبللة، ثم تختار زاوية استراتيجية عند إشارة المرور… وها أنت قد افتتحت مشروعك الخاص في اقتصاد الشفقة.
هؤلاء ليسوا متسوّلين بالمفهوم التقليدي، بل “رواد أعمال” في سوق العاطفة، يعرفون ساعة الذروة أكثر من رجال المرور، ويتقنون فن الحصار النفسي: يمسح الزجاج دون إذنك، ثم ينظر إليك نظرة “أعطني أو أفضح قساوة قلبك”.
في الماضي، كان الولد إذا ترك الدراسة يدخل ورشة النجارة أو الحدادة أو الخياطة، ليصبح صاحب مهنة يفتخر بها. اليوم، استُبدلت المطرقة بكوب بلاستيكي، وإبرة الخياط بمناديل تُفرض عليك وكأنك اشتريتها للتوّ من سوبرماركت الحياة.
والمضحك المبكي أن بعضهم يتقن التمثيل أكثر من كبار الممثلين: عرجٌ يُشفى عند الغروب، دموع تتبخر فور انتهاء “الدوام”، وحتى ملابس ممزقة تُخزن بعناية للاستعمال اليومي، وكأنها زيّ رسمي للوظيفة.
إننا أمام وباء حقيقي، يعلّم الأجيال أن المال يُجنى من جيوب الآخرين لا من عرق الجبين، وأن الشارع هو المكتب المثالي، وأن الكسل إذا تزيّن بالشفقة يمكن أن يدرّ أرباحاً أكثر من أي حرفة شريفة.
ولأننا شعب طيب القلب، فإننا نساهم من حيث لا ندري في ترسيخ هذه المهنة، حتى صارت إشارات المرور أشبه بفروع بنك مفتوح على مدار الساعة… لكنك أنت المودع الوحيد، وهم المستفيدون الدائمون.
الحل؟ بسيط في المبدأ، صعب في التطبيق: أوقفوا تمويل الكسل، أعيدوا الاعتبار للعمل الشريف، واغلقوا هذا السوق السوداء للعاطفة قبل أن نجد أنفسنا بعد عقد من الزمن نصطفّ جميعاً عند الإشارات… بعضنا يعطي، والبعض الآخر يمسح الزجاج.