

بقلم عبدالرحيم بخاش
عرس كروي يوشّح ذاكرة الكرة المغربية في حضرة نجوم الأمس
في ليلة من ليالي الوفاء التي يندر أن تتكرر، التأم شمل أساطير المستديرة المغربية في حفل بهيج نظمته جمعية قدماء لاعبي الدفاع الحسني الجديدي، احتفاءً بعلوّ كعبهم وإشعاعهم الذي لم يخبو رغم توالي الأعوام، وذلك تحت الرعاية السامية لروح الاعتراف والعرفان، وبحضور وازن لعامل إقليم الجديدة وشخصيات رياضية مرموقة، يتقدمهم اللاعبان الكبيران اللذان تم تكريمهم بابا وحجي مصطفى، وغيرهم من نجوم الأمس الذين نقشوا أسماءهم بأحرف من ذهب في سجل الرياضة الوطنية
لقد كان المشهد بمثابة سيمفونية من التلاحم والامتنان؛ سيمفونية عزفتها قلوب الحاضرين قبل ألسنتهم، حيث امتزجت مشاعر الاعتزاز بذكريات البطولات، وتماهى الحاضر مع الماضي في صورة تنبض بالصدق والإخلاص. وما هذا التكريم إلا عربون وفاء من جيل الحاضر لذاكرة جيل صنع المجد، فكان لهم بمثابة المنارة التي لا تنطفئ مهما تقادمت السنون.
وإذا كان للحدث رونقه، فإن الفضل في هندسته وتشييد أركانه يعود إلى ربان الجمعية ورئيسها مصطفى أيت جورك، اللاعب الدولي الذي جمع بين رصانة القيادة وحنكة الميدان، فحوّل الجمعية إلى فضاء يزهو بمشاريع الخير الرياضي، ويعلي من شأن الوفاء للقامات التي حملت القميص الوطني ذات زمن مجيد. وقد برهن أيت جورك، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الرياضة ليست مجرد أقدام تركل الكرة، بل هي منظومة أخلاقية وفكرية، تتجسد في الوفاء والاعتراف ونكران الذات.
لقد أضحى تكريم الأساطير بمثابة مرثية راقية لتاريخ كروي يليق به أن يُروى للأجيال القادمة، كي تدرك أن المجد لا يُستجدى، بل يُنتزع بتضحيات جسام، وبعرق يتصبب فوق العشب الأخضر، وبقلب يخفق حبّاً للوطن. إنها لحظة تجسدت فيها قيم الانتماء، وتجلّت فيها معاني التضامن، وتقدّمت فيها الذاكرة لتصافح الواقع، وكأنها تقول: الرياضة ذاكرة وطن، وليست مجرّد لعبة
إن جمعية قدماء لاعبي الدفاع الحسني الجديدي، بما تبذله من جهد، قد جسدت أسمى صور التكافل الرياضي، وحوّلت فكرة التكريم إلى فعل حضاري يرثي الكبار بالاحترام، ويُعلي شأن العطاء الخالد، ويغرس في النفوس عقيدة أن الوفاء ليس ترفاً، بل هو واجب أخلاقي وأمانة في أعناق الأجيال.
