عندما يصبح الاعتزال جريمة: هجوم قاسٍ على التائبين من عالم الفن

يُشكل عالم الفن منصة للنجومية والشهرة، ولكنه في أحيان كثيرة يتحول إلى قفص ذهبي يفرض على سكانه قواعده الخاصة. فبينما يُحتفى بمن يواصلون مسيرتهم الفنية، ويتغاضى الجمهور عن أخطائهم الشخصية أحيانًا، يتحول المشهد تمامًا عندما يقرر أحدهم التوبة واعتزال هذا المجال. فبدلاً من أن يُقابل قراره بالاحترام، يتعرض الفنان التائب لهجوم حاد وموجة من الانتقادات الجارحة، ليس فقط من الجمهور، بل ومن زملائه في الوسط الفني،
إن الهجوم على الفنانين المعتزلين ليس ظاهرة فردية، بل هو سلوك متكرر يحمل في طياته أبعادًا نفسية واجتماعية عميقة. ويمكن تفسير هذا الرفض من عدة زوايا:
كما يرى بعض الفنانين أن قرار زميلهم بالاعتزال هو نوع من « الخيانة » للوسط الفني وقيمه. فبمجرد أن يُعلن فنان أنه تاب وترك الفن « لأسباب دينية »، فإن هذا يُفسر على أنه اتهام ضمني لزملائه بأن ما يقومون به « حرام » أو « مرفوض دينيًا ». هذا الشعور بالذنب يولد رد فعل دفاعي وهجومي عنيف، حيث يسعى المهاجمون لتبرير مسيرتهم والتقليل من شأن قرار المعتزل، و كذلك
الخوف من فقدان الرمزية ، فغالبًا ما يمتلك الفنانون المعتزلون قاعدة جماهيرية كبيرة. وعندما يقرر نجم محبوب التخلي عن الفن، فإن هذا قد يدفع بعضًا من جمهوره إلى إعادة التفكير في قناعاته، مما قد يؤثر سلبًا على شعبية باقي الفنانين. لهذا، يرى البعض في اعتزال زميلهم تهديدًا لمكانتهم ورمزيتهم في المجتمع، و هناك ايضا
رفض فكرة « العودة إلى الأصل »، حيث يعتقد بعض الفنانين أن الفن هو قيمة عليا بحد ذاته، وأنه لا يتعارض مع القيم الدينية أو الأخلاقية. وبالتالي، فإن قرار الاعتزال لأسباب دينية يُنظر إليه على أنه « تطرف » أو « تخلف فكري ». هؤلاء يرفضون أي محاولة للربط بين الفن والأحكام الدينية، ويعتبرون أن الفنان يجب أن يكون رمزًا للتحرر والتمرد لا للتقيد، و
بمجرد إعلان قرار الاعتزال، لا يواجه الفنان فقط الهجوم الكلامي، بل يجد نفسه معزولًا تمامًا عن الوسط الذي كان جزءًا منه. تتوقف الدعوات للمشاركة في الأعمال الفنية، ويُحذف اسمه من قوائم المشاريع المستقبلية، بل وقد يصل الأمر إلى المقاطعة الاجتماعية. يصبح الفنان المعتزل « منبوذًا » في عيون بعض زملائه الذين كانوا يشاركونه الأضواء سابقًا،
إضافةً إلى الأسباب النفسية والاجتماعية المذكورة، لا يمكن استبعاد وجود أبعاد خفية لهذا الهجوم، قد يكون بعضها مدفوعًا وممولًا. ففي كثير من الأحيان، يُنظر إلى الفن كصناعة ضخمة تُدرّ أموالًا طائلة، وتُستخدم أحيانًا كوسيلة للتأثير على الرأي العام وتوجيه القيم المجتمعية.
يمكن أن تكون هناك جهات أو قوى، سواء كانت اقتصادية أو أيديولوجية، ترى في اعتزال الفنانين تهديدًا مباشرًا لمصالحها. فعندما يتحدث فنان عن التوبة ويُعلن أن الفن يتعارض مع قيمه الدينية، فإن هذا قد يُضعف من مصداقية الرسالة التي تروج لها هذه الجهات. وبالتالي، قد يتم توجيه حملات إعلامية منظمة، تُدار من خلف الستار، بهدف تشويه سمعة الفنان المعتزل والتقليل من شأن قراره، لثني آخرين عن اتخاذ نفس الخطوة.
إن الهجوم على الفنانين التائبين ليس مجرد قضية فردية، بل هو انعكاس لصراع أوسع في المجتمع بين القيم الفنية والاجتماعية من جهة، والضوابط الدينية من جهة أخرى. في هذا السياق، يصبح الفنان التائب كبش فداء لهذا الصراع، يدفع ثمن قراره بالعودة إلى الله، بينما كان يُحتفى به عندما كان يسبح في بحر الأضواء والشهرة.