
في خضم الأحداث الدامية التي تشهدها غزة، وتزامناً مع ما جاء في خطبة الجمعة حول « الحث على أداء حقوق الغير والتحذير من إضاعتها »، يطرح سؤال جوهري نفسه: هل لأهل غزة حق علينا؟ بدون شك لأن
الخطبة، التي تناولت قيمًا إسلامية أصيلة كأداء الواجبات قبل المطالبة بالحقوق، لم تكن مجرد تذكير بالمبادئ الأخلاقية العامة، بل كانت إطارًا فكريًا يُمكن من خلاله فهم واجبنا تجاه إخوتنا في فلسطين. فبينما لم تُشر الخطبة صراحة إلى غزة، إلا أن روحها ومقاصدها تُشير بوضوح إلى أن نصرة المظلوم هي من أعظم الحقوق التي يجب على المسلم أداؤها، كما
تؤكد الخطبة على مبدأ « أعطِ كل ذي حق حقه »، وتستدل على ذلك بحديث سلمان الفارسي وأبي الدرداء. وهذا المبدأ لا يقتصر على الحقوق المادية أو المعنوية المباشرة بين الأفراد، بل يتسع ليشمل الحقوق الكبرى على مستوى الأمة. فإذا كان من حق الجار على جاره الإحسان، ومن حق الأهل على أقاربهم الرحمة، فكيف لا يكون من حق المظلوم على أخيه المسلم النصرة والدعم؟ و
تُبرز الخطبة أيضًا مسؤولية الأفراد والمجتمع في القيام بمهامهم، وتصف هذه المسؤوليات بأنها « من الحقوق العظام ». ومن هذا المنطلق، فإن مسؤولية الدفاع عن الحق ونصرة المستضعفين في غزة لا تقع على عاتق فئة محددة، بل هي مسؤولية جماعية تقع على كل فرد ومؤسسة. فالعلماء واجبهم التوعية، والمسؤولون واجبهم اتخاذ القرارات الداعمة، المغرب و في إطار التزامه الراسخ بدعم الشعب الفلسطيني، وبتعليمات سامية من أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يواصل المغرب إرسال المساعدات الإنسانية الشاملة إلى قطاع غزة، التي تعاني من أزمة إنسانية خانقة. وتأتي هذه المبادرة في سياق يبرز دور المملكة المغربية كفاعل رئيسي في دعم صمود الفلسطينيين، وتخفيف معاناتهم.
تتركز المساعدات الإنسانية التي يوجهها المغرب على المواد الغذائية الأساسية والطبية، وهي مصممة لتلبية الاحتياجات الملحة للسكان في القطاع المحاصر. وتشمل هذه المساعدات:
المواد الغذائية الأساسية من كميات كبيرة من الأرز، والدقيق، والزيوت، التي تشكل عصب الأمن الغذائي للأسر الفلسطينية، و
المواد الطبية، منها أدوية أساسية، ومعدات طبية، ومستلزمات علاج الجرحى، بهدف دعم المستشفيات والطواقم الطبية التي تعمل في ظروف صعبة للغاية، و هكذا
فكل فرد في موقعه يجب عليه أن يساهم بما يستطيع، سواء بالدعم المادي، أو بالدعاء، أو بمساندة قضاياهم.
إن ما يُروج له من أن نصرة أهل غزة قد تُسبب الفتن أو المشاكل هو فهم قاصر لمفهوم الحق والواجب في الإسلام. فالخطبة تؤكد أن الأمانة يجب أن تُؤدى حتى مع من خانها، وأن الإحسان هو الأساس في المعاملات. وهذا يعني أن واجبنا الأخلاقي والإنساني والديني لا يسقط حتى في ظل الظروف الصعبة، وأن التخلي عن نصرة المظلوم هو إضاعة لحق عظيم وتخلٍّ عن مبدأ أساسي من مبادئ الدين، كما
أن الخطبة ليست مجرد كلام في الهواء، بل هي بوصلة تُشير إلى أن لأهل غزة حقًا علينا. حقٌ لا يقتصر على إغاثتهم بالمال فقط، بل يشمل نصرتهم في المحافل الدولية، والدفاع عن قضيتهم، ورفض الظلم الواقع عليهم. فالحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين تقوم على أساس أداء الحقوق والواجبات، ونصرة غزة هي واحدة من أسمى تلك الواجبات.

