الرقمنة: سيف ذو حدين يهدد أسرار الدول

أصبح التحول الرقمي شعارًا عالميًا للتطور والحداثة. فبفضل الرقمنة، أصبحت الإدارة أقرب للمواطن، وسهلت الخدمات، وزاد الوصول إلى المعلومات. لكن، في خضم هذا الانفتاح، برزت مخاوف جديدة حول أمن البيانات و حماية أسرار الدول، وهو ما يعكسه الجدل الأخير الذي أثاره أحد الفيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي.
حين وصف السيد إبن كيران قناة « جبروت » بأنها « شيطان » لاستخدامها معلومات شخصية وحساسة عن مسؤولين، كان يضع إصبعه على جرح عميق: هل أصبحت الرقمنة بابًا خلفيًا لتهديد الأمن القومي؟ هذا السؤال يتجاوز أي خلاف سياسي أو شخصي، ليطرح إشكالية استراتيجية كبرى تتعلق بخطورة تسريب المعلومات في العصر الرقمي،كما أن
في جوهرها، تهدف الرقمنة إلى تبسيط الإجراءات وتسريع العمليات. فبدلًا من الأرشيف الورقي الضخم الذي يصعب الوصول إليه، توفر الأنظمة الرقمية قاعدة بيانات منظمة يمكن الرجوع إليها بضغطة زر. لكن هذه السهولة نفسها هي مصدر الخطر الأكبر.
ثغرات أمنية: أي نظام رقمي، مهما كان متطورًا، قد يحتوي على ثغرات يمكن استغلالها من قبل قراصنة إلكترونيين، سواء كانوا مجرمين عاديين أو جهات استخباراتية معادية. فبدلًا من سرقة ملفات ورقية واحدة تلو الأخرى، يمكن للقراصنة الوصول إلى ملايين البيانات في عملية واحدة.
التهديد الداخلي: الموظف الساخط أو العميل المتسلل يستطيع، في النظام الرقمي، الوصول إلى كم هائل من المعلومات ونشرها أو بيعها بسهولة أكبر بكثير مما كان عليه الحال في زمن الدفاتر والوثائق الورقية.
الضغط والابتزاز: أصبحت المعلومات الحساسة سلاحًا جديدًا في الصراعات الدولية. فمن خلال تسريب وثائق أو بيانات شخصية عن مسؤولين، يمكن لجهات معينة ممارسة ضغوط على الدول أو ابتزازها لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية ،و
يطرح البعض فكرة أن الحل هو التخلي عن الرقمنة في القطاعات الحساسة والاكتفاء بالدفاتر والملفات الورقية. لكن هذه الفكرة وإن بدت جذابة من باب الحماية، فهي ليست عملية ولا تضمن الأمان الكامل. فالمعلومات الورقية عرضة للسرقة، والتلف، والحريق، كما أن الوصول إليها يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، مما يعيق العمل الإداري والتنمية.
الحل ليس في العودة إلى الوراء، بل في المضي قدمًا بحذر وذكاء. فالدول المتقدمة لا تتخلى عن الرقمنة، بل تستثمر بشكل كبير في الأمن السيبراني، وتطوير الكوادر المتخصصة في حماية البيانات، وإصدار قوانين صارمة لمكافحة الجرائم الإلكترونية وتسريب المعلومات.
إن حادثة تسريب المعلومات الأخيرة، بغض النظر عن دوافعها، هي جرس إنذار للدول لتعيد النظر في استراتيجياتها الرقمية. فالمستقبل هو للرقمنة، ولكن الأمان هو مفتاح هذا المستقبل.
هل يمكن تحقيق التوازن بين مزايا التحول الرقمي وحماية أسرار الدول في عالم مترابط؟