
يُشكل عالم الدراجات النارية في البلاد حالة فريدة من نوعها، فهو يجمع بين الأداة الاقتصادية التي تُسهل حياة الآلاف، وبين مصدر قلق قانوني واجتماعي متزايد. فمنذ سنوات، أصبحت هذه الدراجات، خاصة التي يتم استيرادها من الصين، وسيلة تنقل أساسية للكثيرين، من عمال التوصيل إلى الطلاب والموظفين. رغم انها محضورة في دول اوروبية و في امريكا ، لعدم مطابقتها مع قوانينها البيئية و خطورتها على راكبيها ، و تسبب حوادث كثيرة مخلفتا مآسي عائلية ،
في السوق الوطنية، لا يزال هناك تناقض صارخ: فمن جهة، تُسمح الدولة باستيراد هذه الدراجات النارية ذات المحركات الصغيرة وتُشجع على التجارة بها، ومن جهة أخرى، تُصدر قرارات تُجيز احتجازها وتُقيد سرعتها بشكل صارم، كما حدث مع قرار تحديد السرعة بـ 57 كم/ساعة الذي تم تأجيله.
هذا التناقض يضع كل من التاجر والمستهلك في حيرة كبيرة. فكيف يمكن لتاجر أن يبيع دراجة نارية مصممة للسير بسرعة أعلى من 57 كم/ساعة، ثم تُجبر المستخدم على الالتزام بحد أقصى للسرعة يُقيد قدرة الدراجة على الحركة؟ هذا الوضع يفتح الباب أمام الكثير من المشاكل، من عدم وضوح الرؤية القانونية إلى المخاطر الأمنية والاقتصادية ،
فالذين اشتروها بشكل قانوني وتصرفوا بحسن نية، يجدون أنفسهم اليوم في موقف حرج. فبينما يعتمدون عليها في حياتهم اليومية، أصبحوا عرضة للاحتجاز والمخالفات، مما يُهدد أرزاقهم ويُقيد حريتهم في التنقل. هذا الوضع يُثير شعورًا بالظلم، خاصة أنهم لم يخالفوا القانون في البداية، بل تفاجأوا بتغييره بعد أن أصبحوا جزءًا من معادلة قانونية معقدة،
لكي يتم تجاوز هذه الأزمة، يجب على جميع الأطراف المعنية أن تتوحد وتعمل معًا:
على التجار أن يستغلوا الدعوة الأخيرة التي وجهتها لهم جمعية اتحاد تجار ومهنيي درب عمر. إن اجتماعهم معًا ووضع رؤية موحدة هو الخطوة الأولى والأهم. الاجتماع المقرر عقده يوم الخميس، 04 سبتمبر 2025، هو فرصة ذهبية لهم لتقديم مقترحات عملية تُراعي واقع السوق واحتياجات المستخدمين،و على
المستخدمين أن يدركوا أن الاحتجاجات الفردية لا تُحقق الكثير، وأن الحل يكمن في التنظيم والانضمام إلى الجمعيات التي تدافع عن حقوقهم. عليهم أن يكونوا جزءًا من الحل عبر الالتزام بقواعد السلامة، حتى يتم إيجاد تسوية قانونية تضمن حقوقهم، اما
عط الحكومة، فيجب على السلطات أن تتعامل مع هذا الملف بشفافية ومرونة. يجب عليها أن تراجع قراراتها، وتستمع إلى نبض الشارع، وتُقيم الأثر الاقتصادي والاجتماعي لهذه القرارات. فالحل لا يكمن في احتجاز الدراجات أو تقييدها، بل في تنظيم القطاع بشكل يُراعي مصالح الجميع ويُساهم في تحقيق السلامة الطرقية دون المساس بحقوق المواطنين، و
يبقى مستقبل الدراجات النارية في في بلادنا رهنًا بقدرة جميع الأطراف على الجلوس على طاولة الحوار، وتوحيد الجهود، وإيجاد حلول تُعيد الثقة بين المواطن والدولة، وتُحول هذه الأزمة إلى فرصة لتقنين قطاع حيوي وتنميته بشكل سليم ومستدام.
