
بقلم عبدالرحيم بخاش
مدينة الجديدة بين عبق التاريخ ووهج الحاضر، وصوت العامل الذي أعاد للمدينة بهاءها
لقد شاءت الأقدار أن تُزهر مدينة الجديدة بقدوم رجل استثنائي، هو السيد العامل محمد العطفاوي، الذي لم يكن عبورُه العابر مجرّدَ انتقال إداري روتيني، بل كان انبثاقًا لنهضة فكرية وعمرانية واجتماعية تتقاطع عندها كل المعاني السامية للقيادة الراشدة. إنّ الحديث اليوم عن الجديدة لا ينفك عن اسمه، ولا ينفصل عن إرادته الصلبة التي حولت الإدارة من مفهوم بيروقراطي جامد إلى دينامية فاعلة تنبض باليقظة والحسّ الوطني.
العطفاوي ليس مجرّد مسؤول يُدير الملفات، بل هو ربان يتقن قراءة البحر وأمواجه، فيقف على الصغيرة والكبيرة، ويعيد صياغة تفاصيل المدينة بنَفَس إصلاحي يتجاوز حدود المعتاد. فقد استطاع أن يَمزج بين الحكمة الصارمة والحرقة الوطنية، بين دقة الرؤية وجرأة التنفيذ، ليجعل من مدينة الجديدة مختبرًا لنموذج إداري متقدّم يليق بتاريخها وموقعها الإستراتيجي
تحت قيادته، لم تعد التنمية مجرّد شعار يُرفع في المناسبات، بل صارت ممارسة ملموسة تُترجم في البنيات التحتية، وفي المشاريع الاجتماعية، وفي إشراك مختلف الفاعلين في مسلسل الإصلاح. كأنّنا أمام مثقف متشرّب بفلسفة الحكم الرشيد بقدر ما نحن أمام رجل دولة متشبع بالمسؤولية الأخلاقية تجاه المواطن والوطن.
لقد أعاد السيد العامل الاعتبار لمعنى « الإنصات » في زمن عزّ فيه الإنصات، ورفع شعار القرب الميداني حيث أصبح حضوره بين الناس علامة على جدّيته وحرصه على أن يلامس وجع المواطن قبل أن يضع القوانين والخطط. إنّها عقلانية متبصّرة، ومثالية عملية، قلّما اجتمعتا في رجل واحد
ولعلّ ما يجعل اسمه يتردّد اليوم في كل مجلس هو تلك القدرة الفائقة على تحويل الإكراهات إلى فرص، والاختناقات إلى انطلاقة جديدة، في زمن فقدت فيه المدن بوصلة التنمية. فمن خلال صرامته في المتابعة وحرصه على أدق التفاصيل، تحوّلت مدينة الجديدة من فضاء راكد إلى مشهد يضج بالحركة، ويستبشر بغد أفضل.
إنّ الكتابة عن السيد العطفاوي ليست ترفًا بل ضرورة؛ لأنّنا أمام شخصية استثنائية، جمعت بين البلاغة في التخطيط، والصرامة في التنفيذ، والحرارة في الانتماء. لذلك فإنّ التاريخ المحلي سيذكر اسمه كأحد أولئك الذين لا يمرّون مرورًا عابرًا، بل يتركون أثرًا بليغًا، يتردّد صداه بين جدران المدينة وأزقتها، كما يتردّد في ذاكرة الأجيال القادمة.
