وزير الصحة بين التصريح المثير والاحتجاجات الميدانية: هل يتحمل المسؤولية؟

أشعل تصريح أدلى به وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، خلال زيارة ميدانية إلى مستشفى مكناس، جدلاً واسعاً بعدما دعا أحد المسؤولين الإقليميين إلى “الصعود إلى الرباط والاحتجاج” من أجل المطالبة بالحلول. عبارة بدت في ظاهرها عفوية، لكنها تحولت بسرعة إلى مادة للنقاش السياسي والإعلامي، بل وأخذت بعداً رمزياً في خضم موجة من الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة الرباط وعدد من المدن يوم السبت 27 شتنبر 2025، و
لم تمر سوى أيام قليلة على تلك الواقعة، حتى امتلأت شوارع الرباط بآلاف المحتجين، أغلبهم من الشباب، رافعين شعارات تمسّ بالأساس الحق في الصحة والتعليم والكرامة الاجتماعية. وبحسب مصادر حقوقية، فقد انتهت بعض المسيرات بتوقيفات في صفوف ناشطين ومحامين وحقوقيين، في مشهد اعتبره مراقبون “التنفيذ الحرفي” لعبارة الوزير،و تتمثل
المفارقة التي أثارت الانتباه في كون وزير داخل الحكومة هو من نطق بتصريح يشرعن الاحتجاج، بينما تعاملت السلطات مع الحراك الشعبي بمنطق التوقيفات، وهو ما دفع العديد من الفاعلين إلى التساؤل: هل صار الاحتجاج يُدعى إليه رسمياً ثم يُعاقب عليه عملياً؟ حيث

يرى محللون أن ما حدث يضع الحكومة أمام مسؤولية مزدوجة:
أولاً، لأنها مطالبة بالانسجام مع التوجيهات الملكية السامية التي تؤكد مراراً على إصلاح عاجل وشامل للمنظومتين الصحية والتعليمية.
ثانياً، لأن تصريح وزير الصحة تم تفسيره كإقرار ضمني بعجز القطاع عن تلبية حاجيات المواطنين في الميدان، بل وتحويل الضغط نحو الشارع بدل البحث عن حلول عملية.لأن
المتتبعون للشأن السياسي يجمعون على أن عبارة الوزير التهراوي لم تعد مجرد “زلة لسان”، بل تحولت إلى شهادة سياسية تكشف محدودية السياسات العمومية في القطاع الصحي، وتؤكد الحاجة الملحّة إلى مراجعة جذرية لنهج الحكومة في تدبير الملفات الاجتماعية الحساسة،
فالمواطنون، حين خرجوا للاحتجاج، كانوا يرددون بشكل غير مباشر ما قاله الوزير نفسه، غير أنهم اصطدموا بتعامل أمني حازم وضع الحكومة في قلب المفارقة: تحريض على الاحتجاج من جهة، وتجريم له من جهة أخرى، و

تظل مسؤولية ما وقع في الرباط وباقي المدن مسؤولية سياسية وأخلاقية في المقام الأول، يتحملها الوزير المعني والحكومة مجتمعة، باعتبار أن الاحتجاجات ليست وليدة تصريح عابر فحسب، بل نتيجة تراكمات اجتماعية واقتصادية وسياسية، لا يمكن معالجتها إلا بقرارات إصلاحية ملموسة، تستجيب للتطلعات الملكية ولانتظارات الشارع على حد سواء