التظاهر بين القانون والحقوق: أين تنتهي شرعية الأمن وتبدأ حرية المواطن؟

شهدت شوارع العاصمة الرباط وعدد من المدن المغربية مؤخرًا مظاهرات رفع فيها المحتجون شعارات تتعلق بقطاعي الصحة والتعليم وانتشار مظاهر الريع. ورغم أن هذه الاحتجاجات لم تحظَ بتصريح مسبق وفق ما يقتضيه القانون، فإن الطريقة التي تعاملت بها قوات الأمن أعادت إلى الواجهة النقاش حول حدود تدخل السلطة ومسؤولية رجال الأمن بين مقتضيات القانون الوطني والالتزامات الدولية، ففي
ظهير الحريات العامة لسنة 1958 المعدل بالقانون 76.00 ينص على ضرورة التصريح المسبق لدى السلطات المختصة لتنظيم أي تجمع أو مسيرة في الأماكن العمومية، أما
في حال عدم التصريح، يخول القانون للسلطات حل التجمهر وفضّه حفاظًا على النظام العام، كما جاء في
الفصل 29 من الدستور المغربي (2011) يضمن للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر السلمي، لكن في إطار ما يحدده القانون،

و
الفصل 22 من الدستور يحظر بشكل صريح كل مساس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، سواء من طرف الأفراد أو السلطات.و تبقى المسؤولية الأمنية
في فض المظاهرات غير المرخصة باعتبارها « غير قانونية »، ملزمة و لكن رجال الأمن في المقابل يتحملون مسؤولية مزدوجة: منها
حماية النظام العام ومنع أي إخلال بالأمن، وكذلك
احترام حقوق الإنسان وعدم اللجوء إلى القوة إلا في أضيق الحدود، مع مراعاة مبدأ التناسب بين التدخل وطبيعة التجمهر.لتذكير
فالمغرب صادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يقرّ بحرية التجمع السلمي مع إمكانية إخضاعها لقيود ضرورية لحماية الأمن العام، كما أن
مبادئ الأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية (1990) تؤكد أن اللجوء للقوة يجب أن يكون الملاذ الأخير، وأن أي استخدام غير متناسب يعد انتهاكًا.كل
هذا يعني أن السلطات وإن كانت تملك الحق في تفريق المظاهرات غير المرخصة، فإنها مقيدة بضوابط صارمة تمنع التعنيف أو المس بالسلامة الجسدية للمتظاهرين، وفي الأخير
تبقى الاحتجاجات غير المرخصة تُعتبر مخالفة للقانون المغربي، ما يمنح السلطات حق التدخل لتفريقها. غير أن مسؤولية رجال الأمن لا تنتهي عند حدود حفظ النظام، بل تمتد إلى ضمان احترام الحقوق والحريات كما نص عليها الدستور والمواثيق الدولية.
وبين الحق في الأمن والحق في التظاهر، يظل التحدي الأكبر هو إيجاد توازن يحفظ كرامة المواطن ويعزز ثقة الشارع في مؤسسات الدولة.