التظاهرة السلمية.. بين إفلاس السياسة وتضخم القبضة الأمنية

بقلم عبدالرحيم بخاش


التظاهرة السلمية.. بين إفلاس السياسة وتضخم القبضة الأمنية
لم يعد النزول إلى الشارع خياراً عاطفياً أو نزوة جماهيرية، بل تحوّل إلى فعل وجودي يصرخ في وجه الإفلاس السياسي الذي غرقت فيه الحكومة، وإلى احتجاج علني على عجز بنيوي يتكرر في كل دورة سياسية دون أفق ولا بدائل. فالحق في التعليم والحق في الصحة ليسا بنوداً إضافية على ورقة مطالب، بل هما شرط الكرامة وأساس العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن
غير أنّ ما يزيد الطين بلّة هو أن السلطة التنفيذية تراجعت عن موقعها الطبيعي في قيادة الحوار وصناعة الحلول، تاركة الساحة للأجهزة الأمنية كي تكون الواجهة والدرع. وهنا يظهر الخلل الفادح: إذ كيف تُدار معضلات اجتماعية بآليات الضبط والردع، لا ببرامج الإصلاح والإنصاف؟ إنّ ما يحدث ليس سوى دليل دامغ على أن الحكومة عاجزة عن ابتكار الحلول، مكتفية بإلقاء العبء على مؤسسة الأمن التي وُجدت لتحمي السلم لا لتصنع السياسات.
التظاهرة السلمية في جوهرها ليست تحدياً لشرعية الدولة، بل استفتاءً قاسياً على فشلها في الوفاء بوعودها. ومن يتعامى عن هذه الحقيقة إنما يرسّخ قناعة مفادها أن السياسة لم تعد سوى واجهة شكلية، وأن القرار الحقيقي يُصاغ خارج المؤسسات المنتخبة، بين ميزان القوى الأمنية وحسابات ضيقة لا ترى أبعد من مقعد السلطة.
إنّ استمرار هذا النهج لا يعني إلا انزلاق البلاد إلى منطق الصراع المفتوح: شارع يطالب وأمن يواجه، فيما الحكومة متوارية في صمتها المريب. والخطر أن يتحول الصراع من لحظة مطلبية حضارية إلى لحظة قطيعة، حيث يفقد المواطن ثقته في الدولة برمّتها
الحل ليس عسكرة المطالب، بل عقلنتها عبر إصلاحات جذرية وجرأة سياسية حقيقية. فما لم تتحمّل الحكومة مسؤوليتها، فإن الأمن سيظل في الواجهة، لكنه لن يكون سوى درع هشّ يغطي عجزاً فاضحاً. ويبقى السؤال معلقاً: هل تعي الحكومة أن صمتها أكبر من أي هتاف، وأن إفلاسها السياسي أخطر من أي احتجاج؟