في جدلية الأمن والشباب… ومكر الفتنة المستترة

بقلم عبدالرحيم بخاش


في جدلية الأمن والشباب… ومكر الفتنة المستترة
لقد ناضل المغرب عقوداً مديدة من أجل هندسة علاقة جديدة بين المواطن وجهازه الأمني، علاقة قوامها الثقة المتبادلة، ومبناها الشراكة في حفظ النظام والسهر على السلم الأهلي. غير أنّ ثمة قوى غامضة لا تزال تصرّ على إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، لتصنع من رجل الأمن خصماً للشباب، ومن الشارع ساحة صدام، وكأنّ الوطن لا يستقيم إلا على أنقاض المواجهة والارتياب
إنّ مكمن الإشكال ليس في الأمن ذاته، ولا في شباب أنهكته سنوات البطالة والتهميش، بل في السياسات الحكومية التي أفرغت الوعود من مضمونها، وجعلت الأفق مظلماً أمام جيل لا يملك إلا أن يرفع صوته في الساحات. فما يفعله خصوم الداخل والخارج، هو تحويل هذا الغضب المشروع إلى معركة زائفة مع الأمن، لخلط الأوراق وتزييف الحقيقة، وجعل جهاز الحماية يبدو وكأنه أداة قمع، لا درعاً واقياً
والسؤال الأجدر بالطرح: من ذا الذي أعطى الأوامر لتدبير انتقالات ميدانية انتهزها أعداء الوطن لتمرير خطابهم المسموم؟ ومن ذا الذي يسعى إلى نسف الجسور بين المواطن وأمنه، وهو يعلم أنّ الوطن بلا أمن إنما هو جسد بلا روح؟
إنّ الدستور لم يُصَغ ليكون مجرد حروف على الورق، بل ليكون ميثاقاً يحدد الوظائف ويضع لكل سلطة مجالها. فالأمن حارس للحقوق، والشباب حامل للآمال، والحكومة مسؤولة عن الإنصاف والعدالة الاجتماعية. وحين تختل هذه المعادلة، يتسع الشرخ، وتفتح الأبواب لفتنة لا تبقي ولا تذر
ولذلك، فإنّ الخطر الداهم لا يكمن في الحشود الغاضبة ولا في الشعارات المرفوعة، بل في محاولات التلغيم الممنهج التي تروم زرع الشقاق بين مؤسسة الأمن وجيل الشباب. ذلك أنّ الأمن إذا انحرف عن رسالته، فقد الوطن توازنه، وإذا استمرت الحكومة في عجزها، فقد المواطن صبره، وحينها لا يعود الاستقرار سوى وهْمٍ يتهاوى عند أول هزّة.
إنّ الواجب الوطني يقتضي أن نصوّب البوصلة نحو أصل الداء: سياسات عمومية عرجاء، وخيارات اقتصادية عقيمة، ووعود انتخابية جوفاء. أما الأمن، فيجب أن يبقى كما أراده المغاربة: سداً منيعاً يحرس الدولة من الانهيار، لا طرفاً في نزاعات تُطبخ في الكواليس وتُسعّرها أيادي الفتنة