صحافة الأبواق والاسترزاق: خطاب الظلال والغياب

بقلم عبدالرحيم بخاش


في أروقة الإعلام المعاصر،  يختلط الضوء بالظل، وتنسج صحافة الأبواق والاسترزاق خيوطها بخفة الماكرين ودهاء المتسلّطين على الأضواء. هناك، تُقاس الكلمة بعدد التصفيقات، والحقيقة بعدد المرات التي تُطوى فيها الأرواح تحت أقدام الطامعين، يظهر أولئك الذين يطبلون لكل ما يلمع، ويصفقون لكل ما يبعث ضوضاءً، ناسجين من الصفقات، ومن الفراغ والتفاهة، وهماً يُسمّى « مهنة
هؤلاء لا يملكون عمقاً، ولا زوايا يُستضاء بها في الظلمة. هم فنانون في المسرحية الرخيصة للغطرسة، ركّاب الموجات العابرة، مُستغلّون للتشهير، لصناعة نفوذ زائف، ونثر الغبار على الأعين. لغة الكلمة عندهم سلعة، والمعلومة عندهم معدن للاسترزاق، فلا الحقيقة تهم، ولا الضمير، بل بريق مؤقت، وصيت مؤقت، يزول كما يزول الضباب عند أول شعاع شمس.
إنها صحافة تبيع الضحك على حساب الحقيقة، وتمارس الطرح كما يمارس السماسرة البيع: تلمع وجوهًا، وتخفي جوهرها، تُخفي خلف الطبول والألوان زيفًا كبيرًا، وأرواحًا جافة، وأفكارًا تهيم في ضياعها. وكلما ارتفعت أصواتهم، تكشّفت هشاشتهم، وانكشف عدمهم، ليبقى المثقف وحده شاهدًا، يميّز بين اللؤلؤ والزخرف، بين الصوت الحقيقي والصدى الاصطناعي
ليست المهنة منصة لركوب الموجات العابرة، ولا منبرًا لتدمير الآخرين أو لصناعة الشهرة على أطلالهم. الكلمة أمانة، والمهنة رسالة، والحقيقة شعلة لا تطمسها طبول المسترزقين ولا أضواء الزيف. وللجمهور، المثقف قبل غيره، أن يقرأ بين السطور، أن يكتشف ما يخفونه خلف الضحك والتفاهة، وأن يعرف أن الصحافة حين تتآكل بالمصالح العابرة، لا يعود فيها إلا صدى الأصوات الفارغة، وظلال أولئك الذين فقدوا البوصلة