طالبت دار النشر الفرنسية « غاليمار » الجمعة بـ »الإفراج » عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بعد « اعتقاله » على يد « أجهزة الأمن الجزائرية »، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء « اختفائه ».
وكتبت دار النشر في بيان « تُعرب دار غاليمار… عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب وتدعو إلى الإفراج عنه فورا ».
وذكرت وسائل إعلام عدة، من بينها مجلة « ماريان » الفرنسية، أن الكاتب البالغ 75 عاما والمعروف بمواقفه المنددة بالتشدد الديني والاستبداد، أوقف السبت في مطار الجزائر العاصمة آتيا من فرنسا. كما أفادت وكالة الأنباء الجزائرية الحكومية عن « توقيف صنصال في مطار الجزائر » العاصمة من دون أن تحدد تاريخ ذلك، بينما لم تتوافر أي معلومات رسمية أخرى عن مصيره في ظل توتر العلاقات بين باريس والجزائر.
وبحسب صحيفة « لوموند » الفرنسية، فإن السلطات الجزائرية انزعجت من تصريحات أدلى بها صنصال لمجلة « فرونتيير » الفرنسية المعروفة بمواقفها اليمينية المتطرفة، تبنى فيها موقفا مغربيا يقول إن أراضي مغربية انتُزعت من المملكة تحت الاستعمار الفرنسي لصالح الجزائر. والتصريح إشارة الى مغربية أجزاء من اللصحراء الشرقية تضم مناطق توات وتيديكلت وقورارة، التي تشهد الوثائق التاريخية على مغربيتها.
وتؤكد السجلات التاريخية أن هذه المناطق كانت تدين بالولاء للسلاطين المغاربة، إذ كان سكانها يقدمون البيعة ويدفعون الضرائب للمخزن المغربي وقد وثق المؤرخ الفرنسي أوجست مولييراس هذه الحقائق في كتاباته، مشيرا إلى أن السلطة المركزية المغربية كانت تعين القضاة والعمال في هذه المناطق.
وشكلت معاهدة لالة مغنية سنة 1845 منعطفا تاريخيا في مصير الصحراء الشرقية المغربية، إذ بدأت فرنسا في تنفيذ مخططها لاقتطاع هذه الأراضي من النفوذ المغربي وتعززت هذه السياسة الاستعمارية باتفاقية 1901-1902، التي مهدت الطريق لضم هذه المناطق إلى المستعمرة الجزائرية.
وتشكل تصريحات صنصال « خطا أحمر » بالنسبة إلى الجزائر وقد تتسبب في اتهام الكاتب بـ »المساس بسلامة وحدة الوطن ». وقالت أوساط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الأخير « قلق للغاية بشأن هذا الاختفاء »، موضحا أن « أجهزة الدولة مستنفرة لكشف ملابسات وضعه ».
وقضية الصحراء الشرقية (وتشمل مناطق تندوف وأدرار وبشار، الغنية بالمعادن) ليست مجرد نزاع حدودي، بل ينظر لها مغربيا على أنها قضية سيادة وحقوق تاريخية موثقة. وتؤكد الوثائق والمراسلات الرسمية وحتى المعاهدات الدولية، أن هذه الأراضي كانت دائما جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية. وتتحمل فرنسا المسؤولية عن اقتطاع هذا الجزء من الأراضي المغربية في حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر.
وأعيد إثارة هذه القضية في أكثر من مناسبة في الفترة الأخيرة مع عودة الدفء للعلاقات المغربية الفرنسية بعد أشهر طويلة من التوتر بين البلدين.
وأعرب عدد من القادة السياسيين الفرنسيين عن قلقهم، أبرزهم رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب الذي يرى أن الكاتب « يجسد » بشكل خاص « الدعوة إلى العقل والحرية والإنسانية ضد الرقابة والفساد والإسلاموية ». كما أبدى كتّاب دعمهم لصنصال، بينهم الفرنسي نيكولا ماتيو الذي تحدث عن « فخ » نُصب له، أو الفرنسي المغربي الطاهر بن جلون الذي دعا إلى « تحرير » صنصال.
وكتب مواطنه ياسمينة خضرا في بيان « اعتقاله يزعجني. المثقف مكانه حول طاولة مستديرة، في جلسة لمناقشة الأفكار، وليس في السجن ».
وفي مجلة « لوبوان » الفرنسية، ندد الكاتب الفرنسي الجزائري كمال داود بوجود « أخيه » « خلف القضبان، مثل الجزائر بأكملها ».
وكانت دار « غاليمار » مُنعت من المشاركة في معرض الجزائر الدولي للكتاب خلال الشهر الجاري. كما أن كمال داود يواجه دعويين في الجزائر تتهمانه مع زوجته الطبيبة النفسية باستخدام قصة مريضة في رواية « حوريات » التي تستحضر الحرب الأهلية في البلاد والتي نال عنها أخير جائزة « غونكور »، أبرز مكافأة أدبية فرنسية.
وانتقدت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية فرنسا الجمعة لدفاعها عن « مُنكِر يشكك في وجود الجزائر واستقلالها وتاريخها وسيادتها وحدودها »، واصفة الكاتب بأنه « دمية التيار التحريفي المعادي للجزائر ».
وبوعلام صنصال من الأسماء البارزة في الأدب المعاصر الناطق بالفرنسية. ويُعرف بكتاباته الملتزمة ضد الظلامية ومن أجل الديمقراطية، من دون محرمات، وبأسلوب لاذع في بعض الأحيان.
منقول للأمانة من الجزائر تايمز