بقلم عبدالرحيم بخاش
تغول الكبار وإقصاء الصغار: قراءة نقدية في سياسة دعم الصحافة بالمغرب
في خطوة أثارت الكثير من الجدل، قررت الحكومة المغربية فرض شروط وصفت بـ »التعجيزية » للاستفادة من دعم الصحافة. هذه الشروط الجديدة، التي يراها البعض « مجحفة »، تهدد وجود المقاولات الصحفية الصغرى والمتوسطة، في مقابل تعزيز هيمنة المقاولات الكبرى، ما قد يهدد التعددية الإعلامية والتنوع في المشهد الصحفي المغربي
تُبرر الحكومة هذه الشروط بضرورة « إصلاح قطاع الصحافة » و »تعزيز المهنية والجودة »، لكن على أرض الواقع، يبدو أن المستفيد الأكبر منها هي المقاولات الصحفية الكبرى، التي تمتلك موارد مالية وهيكلية كافية للتأقلم مع هذه المتطلبات الجديدة. في المقابل، تجد المقاولات الصغرى، التي تمثل صوت التنوع الإعلامي والتعددية، نفسها عاجزة عن الوفاء بهذه الشروط، مما يدفعها نحو الإفلاس أو الاندماج القسري تحت مظلة الكبار
تشمل هذه الشروط، وفق ما تم تداوله، معايير تتعلق بعدد العاملين، الضمانات المالية، التصريح بالموارد، والالتزام بميثاق أخلاقيات المهنة. في ظاهرها، تبدو هذه الشروط منطقية، لكن تطبيقها في بيئة اقتصادية متقلبة، يعاني فيها قطاع الصحافة من أزمة إيرادات وإعلانات، يجعلها بمثابة « حبل مشنقة » على عنق المقاولات الصغرى
إقصاء الصحافة الصغيرة من الدعم سيؤدي إلى تراجع التعددية الإعلامية، حيث ستصبح الساحة مقتصرة على بضعة عناوين كبرى تتحكم في المحتوى، الخط التحريري، وحتى الأجندة الإعلامية. وهذا يطرح إشكالية خطيرة تتعلق بحرية التعبير وتنوع الرأي، خاصة في ظل تزايد المخاوف من تحول الإعلام إلى أداة في يد « اللوبيات الكبرى » الممولة
إذا كانت الحكومة جادة في تطوير القطاع، فالحل لا يكمن في إغراقه بالشروط التعجيزية، بل في اتخاذ إجراءات أكثر عدلاً،
إن مقاربة « إغناء الغني وإعدام الفقير » التي تظهر من خلال هذه الشروط لا تخدم الصحافة ولا المجتمع. المطلوب من الحكومة هو التفكير في صيغة عادلة تضمن التوازن بين المهنية والتعددية، وتعزز بقاء المقاولات الصحفية الصغيرة، لا تصفيتها لصالح الكبار. إن غياب التنوع الإعلامي لا يعني فقط فقدان أصوات متعددة، بل يعني أيضاً تقليص هامش حرية التعبير، وهو ما يجب أن تتفاداه أي حكومة ترفع شعار الإصلاح