درب وهران… حيث كانت القلوب أبوابًه مفتوحة


« درب وهران… حيث كانت القلوب أبوابًه مفتوحة

بقلم عبدالرحيم بخاش

في مكانٍ ما…
حيث لا يقاس العمر بالسنين، بل بالمواقف والمحبّة والضحكات الصافية…
هناك، في ذاك الركن الدافئ من الذاكرة، كان درب وهران.

ذاك الدرب الذي لم يكن مجرد حيّ،
بل كان حضنًا جماعيًا، تتربى فيه القلوب كما تتربى الأجساد،
حيّ إن مررت به، عرفت كيف يكون الانتماء بلا شروط، وكيف تكون العائلة أكبر من جدران البيت.

في درب وهران، ترعرعت أجيال…
فيه كبر الطبيب، ونضج الشرطي الذي حمى الوطن، وفيه تخرّج الرياضي، وفيه مشى المعلم الذي علّمنا أول حرف، وأول معنى للحياة.
فيه عرفتُ معنى العائلة… لا لأننا نعيش قرب بعضنا، بل لأننا نعيش مع بعضنا.

كل باب من أبواب هذا الدرب كان موصولًا بقلب صاحبه.
من دار كلالي، إلى دار سباطة، إلى دار مي مينة، حيث كنت أجلس صغيرًا أراقب التلفاز بعينين حالمتين،
أو أعزف على الغيتار ببراءة لا تفهم شيئًا من النوتات، لكنها تفهم أن هذا المكان… هو الوطن الحقيقي.

ومن جلسات البشير بخيرات، إلى ضحكات الطفولة التي لم تفرّق بين صغير وكبير،
كانت ثقافتنا تنتقل كما تنتقل الوصايا القديمة… من جيل إلى جيل، ومن بيت إلى بيت.

وهناك، كانت العائلات…
كل واحدة تحمل في اسمها ذاكرة، وفي جدرانها حكاية:

  • عائلة أرسلان… شموخ الاسم وكرم الدار
  • عائلة أبو خصيب… دفء القلوب قبل دفء الجدران
  • عائلة مي كبورة… حيث الخبز والحنان لا ينقطعان
  • عائلة الروكي… حكمة الكبار وأدب الصغار
  • عائلة خلفاوي… جذر في الأرض وفرع في السماء
  • عائلة موقيت… نغمة قديمة تحفظ توازن اللحن
  • عائلة دار الشيكي… فنجان القهوة وذكريات الحي
  • عائلة سباطة… بيت لا يُغلق، وصدر لا يضيق
  • عائلة كسراوي… حين تتحول الجيرة إلى نسب
  • عائلة بنينو… أصدقاء المدرسة والطريق
  • عائلة اللباط… حيث الضحكة لا تغيب
  • عائلة قط… خطى الطفولة لا تزال في الساحة
  • عائلة مي طويمو… عطر الأمومة ورائحة المطبخ
  • عائلة تميد… عزف الطمأنينة في زمن قلق
  • عائلة موكيلي… تاريخ من الوفاء والصبر
  • عائلة دار مي يزة… رائحة الخبز وأغاني الجدات
  • عائلة جدة… البساطة حين تكتب أسمى العلاقات
  • عائلة مي مينة… الحضن الذي لا يشيخ

كم نشتاق إليكم

عائلة دار الطالب كلالي حيث الابتسامة والكرم


كم نشتاق لتلك الجلسات، للمواسم، لرمضان الذي كنا نقضيه في الساحة، للزيارات العفوية، لصوت الجارة ينادي:
« ها الطاجين واجد، مرحبا بيكم كاملين! »

اليوم تغيّرت الصور…
صارت « مقهى أميرة » عنوانًا للقاءات السريعة،
وصارت الوجبات مكان الذكريات.
لكنّ القلب… لم يتغيّر.
والدرب، وإن لبس ثوبًا جديدًا، فإنّ روحه باقية فينا.

فيا من مررتم من درب وهران…
سلامٌ عليكم،
وسلامٌ على الحي الذي علّمنا كيف نكون بشرًا… قبل أن نكون أي شيء آخر.