في زمن اختلطت فيه الأصوات… أين رجاله؟

بقلم عبدالرحيم بخاش

في زمن اختلطت فيه الأصوات… أين رجاله؟
« إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت »
قالها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وكأنها نبوءة لعصرنا هذا، حيث اختلطت الأدوار، وتداخلت الأصوات، وضاعت المعايير.
نعيش زمناً مشوش الملامح، مُبهم الخطى، فلا الفاضل يُقدّر، ولا الصادق يُحتفى به، ولا العاقل يُصغى إليه. أصبح لكلٍ منبر، ولكلّ متطفّل لقب، ولكلّ بوقٍ جمهور… حتى ساد فينا من قال فيه أفلاطون: الجهل أشد الأعداء فتكًا بالحق
في هذا الزمن، صار الناقد مهرّجًا، لا يرى في النقد سوى سبابًا وتحقيرًا، لا إصلاحًا ولا بناءً.
وصار المفكر آلةً تُردد شعارات عقيمة، يُكفّر من خالفه، ولا يفكر إلّا في دائرة نفسه.
والصحافي أصبح مجرّد حامل ميكروفون، يتقن فن الانحناء لا فن الحياد
والفنان؟ صار يُنتج ما سماه الفيلسوف نيتشه: « فن السوق لا فن الروح، عفن يلبس ثوب الإبداع وهو خواء
فأين العقلاء؟ أين من وصفهم سقراط بأنهم ذوو النفوس العظيمة التي لا تُغريها المظاهر »؟
أين رجال هذا الوطن؟ أين الذين إذا قالوا صدقوا، وإذا تكلموا أوجعوا، وإذا حضروا صمت الضجيج؟
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
لا تفرحنّ بسقطة غيرك، فإنّك لا تدري كيف تُدار الدنيا
لكن في زماننا، السقوط صار فرجة، والشماتة فنًّا، والانتقاد رياضة بلا أخلاق، حتى صار النُبل استثناء، والحقد عادة
نحن في زمن صار فيه الغافل قائدًا، والمُرتشي متحدثًا باسم النزاهة، والحق يُجَرُّ إلى المقصلة باسم المصلحة
زمنٌ صرخ فيه جبران خليل جبران:ويلٌ لأمة تكثر فيها المذاهب وتخلو من الدين، وتكثر فيها الطوائف وتخلو من الضمير
أيّها السادة، لسنا بحاجة إلى مزيد من الأصوات، بل إلى صوت واحد صادق.
لسنا بحاجة إلى قنوات تلمّع الوجوه الكاذبة، بل إلى مرآة تُظهر الحقيقة كما هي، بلا زواق ولا رتوش
نحن نحتاج إلى:

فنان يُهذّب الذوق لا يفسده.
ناقد يُنير الطريق لا يُطفئ المصابيح.
مواطن يُحب وطنه لا لأنه يُعطي، بل لأنه يستحق
كفانا تشرذمًا، كفانا اصطفافًا وراء شعارات بلا جوهر. فالوطن لا يُبنى بالتصفيق ولا بالشتائم، بل بالعقول الراجحة والقلوب الصافية.
قال الإمام الشافعي من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معًا فعليه بالعلم
فأين هو العلم اليوم؟
بل أين هو الوعي؟
وأين هو « الرجل الذي إذا رؤي ذُكر الله »، لا يُشترى ولا يُباع، لا يرضى الذل ولا يرضخ للباطل؟
إذا كنا نُريد وطنًا حرًّا، فلتكن أقلامنا حرّة، وأفكارنا نيّرة، وقلوبنا نظيفة
وإن كنا نُريد الغد، فلنبدأ من اليوم، نزرع الكلمة الصالحة، ونُطفئ نار الحقد، ونعيد للضمير صوته الغائب
فإن لم نفعل، فاستعدّوا لسماع الأجراس تدق لا لتوقظنا، بل لتعلن حدادًا طويلًا… على وطنٍ مات فيه
رجاله واقفون
لقد حان الوقت لنصطف وراء كلمة واحدة وشعار واحد إلى الأمام فالوطن اغلى واصحابه شرفاء والشريف يبقى شريف