
بقلم عبدالرحيم بخاش
:
ميكروفونات الجهل… حين تُنتهك الصحافة باسم الصخب
لا تجاهر بعيوب الخلق وعيبك مدسوس، ولا ترفع راية الدفاع عن الحقيقة ولسانك أعجز من قول جملة مفيدة، ولا تحشر نفسك في ركب الصحافة وأنت لا تفقه منها غير صدى الضجيج.
لقد ابتُليَ المشهد الإعلامي في السنوات الأخيرة بآفة مستشرية تُسمّى اختصارًا بـ »أصحاب الميكروفونات »، وهي فئة تسلّلت إلى الساحة الصحفية من ثقبٍ في جدار المهنة، لا تحمل من مؤهلات الصحافة سوى آلة تسجيل وصوت جهوري، يصرخ في وجوه المارة باسم « نقل الخبر »، بينما هو ينقل العار ويذيع الجهل ويشرعن للرداءة.
إنها كارثة عظمى حين تُختزل مهنة النبلاء ـ الصحافة ـ في مهرجان فوضوي من « السنطيحة »، والسطحية، والافتعال. أين نحن من شرف الكلمة وحرمة المعلومة ودقة البحث؟ بل أين نحن من أخلاقيات المهنة التي طالما شكلت صمام أمان المجتمعات ومرآة الوعي الجمعي؟!
كيف نقبل أن يُقال « صحافي » لمن لا يجيد القراءة والكتابة، ولا يملك من الحصافة سوى القدرة على إزعاج الآخرين أمام الكاميرا؟ كيف نُسلم أمانة الكلمة لمن باع عقله في سوق الشهرة الرخيصة وامتطى صهوة « الترند » ليبلغ جمهورًا لا يدقق، ووعيًا لا يفرّق؟!
وإنها لمصيبة أكبر حين تصمّ الآذان عن هذا العبث، وتغيب أجهزة الرقابة وكأنها في سبات عميق، بل أين النيابة العامة من هذا الاجتياح الخطير؟ ألا يعدّ انتحال صفة الصحافي جريمة تستحق العقاب؟ ألا يشكّل هذا التسيّب طعنةً في ظهر المؤسسات الإعلامية الجادة التي ما تزال تدفع ثمن شرفها من تعب رجالها ودماء حروفها؟!
نحن على أبواب استحقاقات كبرى، كأس العالم وغيره من المحافل، فهل من المعقول أن نستقبل العالم بوجوه لا تمثل إلا العار؟! هل نريد للعالم أن يرى صورة المغرب في شخص من لا يفقه أبجديات اللغة ولا يحترم قدسية المهنة؟!
نعم، المغرب بلد الإنجازات الكبرى، بلد التحول والنماء، لكن هذا البناء الحضاري لا يكتمل في ظل تواطؤ غير معلن مع « فيروس » يهدد بنية الإعلام برمتها. لقد حان الوقت ـ بل تأخر ـ لإعلان الحرب على هذه الفوضى، وتطهير الساحة الإعلامية من المتطفلين والدخلاء.
إن الصحافة ليست مهنة من لا مهنة له، وليست ترفًا أو وسيلة للابتزاز أو وسيلة لحصد « اللايكات »، بل هي رسالة، بلاغ، ضمير، وموقف. فإمّا أن نحفظ لها هيبتها، أو فليُرفع عنها اسمها، لأن الميكروفون حين يُرفع في يد الجاهل، يغدو سلاحًا دمارًا شاملًا.
فلنتذكّر قول الجاحظ: « إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت، وإذا لم تعقل فاصرخ ما استطعت. » وقد صرخوا… وآن أن نصمتهم بالقانون والعقل.
