بين الرغبة في الاستجمام وواجب إرضاء الخالق: هل الاستراحة ذنب؟

في خضمّ صخب الحياة وضغوطها المتزايدة، يصبح الاستجمام حاجة فطرية للنفس البشرية. إنه لحظة من الراحة والهدوء نستعيد فيها توازننا، ونجدد طاقاتنا لمواصلة المسير. لكن، يواجه الكثيرون سؤالاً يؤرقهم: هل تتعارض هذه الرغبة الطبيعية مع الخرص على إرضاء الخالق؟ وهل يمكن للاستجمام أن يتحول من متعة بريئة إلى ميدان للذنوب؟
الرؤية الإسلامية لا تُحرّم الاستراحة أو الاستمتاع بالحياة. على العكس، تُعدّ الراحة حقاً للنفس، وضرورةً لاستمرارية العبادة والعمل بفعالية. فجسد الإنسان وروحه بحاجة إلى استعادة نشاطهما ليتمكنا من أداء واجباتهما تجاه الله وتجاه المجتمع. في هذا الإطار، يمكن أن يكون الاستجمام عبادة في حد ذاته، إذا كان يهدف إلى تقوية الإنسان ليكون أكثر قدرة على الطاعة، و
المشكلة لا تكمن في الاستجمام ذاته، بل في السلوكيات المصاحبة له. هنا يبرز التوتر بين الرغبة في الترفيه والالتزام بالضوابط الشرعية. يمكن أن يتحول الاستجمام إلى ذنب

عندما:
يُمارس بإفراط، فالاستجمام الذي يؤدي إلى الإسراف في المال والوقت، هو نوع من التبذير المنهي عنه شرعاً،كما
يُصاحبه لهو محرّم، بعض أشكال الترفيه تتضمن مخالفات صريحة، مثل الاستماع إلى الموسيقى المحرّمة، أو مشاهدة ما يُخدش الحياء، أو الاختلاط غير المنضبط بين الجنسين.
كذلك عندما يُصبح الاستجمام سبباً في إضاعة الصلوات، أو تأخيرها عن وقتها، فإنه حينها يخرج عن مقصده النبيل،
و قد يُمارس في بيئات لا تُراعي حرمة الله، بل تُشجع على المعصية، مما يُعرّض الفرد للوقوع في الذنب.
إذن، الحل ليس في التخلّي عن الاستجمام، بل في إيجاد التوازن الصحيح. يمكن للإنسان أن يستمتع بوقته ويُروّح عن نفسه دون أن يُخلّ بالتزاماته الدينية. يمكن أن يكون الاستجمام في التأمل في خلق الله، أو في قضاء وقت ممتع مع العائلة والأصدقاء في أجواء مُحافظة، أو في ممارسة رياضة مفيدة.
إن تحقيق هذا التوازن يتطلب من الفرد أن يكون واعياً ومسؤولاً عن اختياراته. عليه أن يتذكر أن كل عمل يفعله يُحاسب عليه، وأن هدف حياته الأسمى هو إرضاء الخالق. الاستجمام إذاً ليس ذنباً، بل هو نعمة، شريطة أن يُستخدم بحكمة، وأن يكون وسيلة لتقوية الإنسان لا لإضعافه.