المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ميزانيات ضخمة ونتائج متباينة

منذ إطلاقها عام 2005، شكلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب أملاً كبيراً لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين ومحاربة الفقر. وعلى مدار مراحلها المتتالية، تم ضخ مبالغ مالية ضخمة بهدف إحداث نقلة نوعية في حياة الفئات الأكثر هشاشة. إلا أن النتائج على أرض الواقع كانت مزيجاً من الإنجازات الملموسة والإخفاقات التي أثارت تساؤلات حول فعالية الميزانيات المخصصة،كما
تظهر الأرقام أن الحكومة المغربية لم تدخر جهداً في تمويل هذه المبادرة. في المرحلة الأولى، تم تخصيص ميزانية تجاوزت 250 مليون درهم. ثم تضاعفت هذه المبالغ بشكل كبير في المرحلة الثانية، حيث تجاوزت بعض برامجها 5 مليارات درهم. ووصلت الميزانية في المرحلة الثالثة (2019-2023) إلى حوالي 18 مليار درهم، وهو ما يعكس الحجم الهائل للاستثمار في هذا المشروع. وتشير بعض التقارير الإجمالية إلى أن المبادرة ساهمت في مشاريع بمبلغ إجمالي قدره 43 مليار درهم.و
على الجانب الإيجابي، حققت المبادرة بعض النجاحات الملموسة. فقد ساهمت في تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية في المناطق القروية، مثل تزويد القرى بالكهرباء والماء الصالح للشرب. كما كان لها دور في بناء مؤسسات اجتماعية مهمة مثل دور الأمومة ووحدات التعليم الأولي، التي ساعدت في تحسين ظروف المرأة والطفل. بالإضافة إلى ذلك، دعمت المبادرة مشاريع مدرة للدخل، مما ساهم في التمكين الاقتصادي للمرأة القروية وخلق فرص عمل محلية،و
رغم هذه الإنجازات، لم تكن رحلة المبادرة خالية من العقبات. فقد كشفت العديد من التقارير عن اختلالات مالية وفساد أدى إلى تبخر مبالغ كبيرة في مشاريع وهمية أو غير فعالة. كما أشارت تحقيقات صحفية إلى أن العديد من المشاريع التي تم إطلاقها لم تستمر طويلاً بسبب غياب المتابعة والمواكبة من قبل السلطات المحلية، مما دفع بعض المستفيدين إلى بيعها أو التخلي عنها. هذه الإخفاقات أدت إلى انتقادات حادة، حيث يرى البعض أن المبادرة لم تحقق أهدافها الكبرى في تحسين مؤشرات التنمية البشرية بشكل جذري، وأن الفقر متعدد الأبعاد لا يزال يشكل تحدياً كبيراً في البلاد،
و مع ذلك تبقى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مشروعاً طموحاً يواجه تحديات كبيرة. فالارتقاء بالتنمية البشرية يتطلب أكثر من مجرد تخصيص الميزانيات؛ بل يستدعي أيضاً تعزيز الشفافية والمساءلة، وتوجيه الأموال بفعالية، ومحاربة الفساد لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه وتحقيق الأثر المنشود على المدى الطويل.