
تعد النزاهة الانتخابية حجر الزاوية في بناء أي نظام ديمقراطي، فهي ليست مجرد إجراء قانوني، بل هي انعكاس حقيقي لسيادة الشعب وإرادته الحرة. وفي بلادنا ، حيث تكتسب العملية الانتخابية أهمية بالغة، يبرز التساؤل: هل يمكننا حقاً أن نحلم بانتخابات نزيهة، تضع مصلحة الوطن فوق كل شيء؟
إن تحقيق هذا الحلم ليس أمراً مستحيلاً، ولكنه يتطلب تضافر جهود جميع الفاعلين، بدءاً من وزارة الداخلية وصولاً إلى المواطن العادي.
لقد أكد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ، في مناسبات عدة أن الملك يضمن نزاهة الانتخابات في الصندوق، وهو ما يمثل ضمانة عليا للعملية الديمقراطية. لكن هذه الضمانة لا تعفي المؤسسات التنفيذية، وفي مقدمتها وزارة الداخلية، من مسؤوليتها المباشرة في حماية العملية الانتخابية من أي تجاوزات.
فالعملية الانتخابية معقدة ودقيقة، وتتطلب تفعيل آليات رقابية صارمة لمنع كل أشكال الفساد. يجب على هذه المؤسسات أن تكون العين الساهرة على الصندوق، وأن تحارب بكل حزم كل مظاهر العبث السياسي، لضمان أن تكون النتائج تعبيراً صادقاً عن خيارات الناخبين.
إن التهديد الأكبر للنزاهة الانتخابية هو المال الفاسد. فاللقاءات المشبوهة، والولائم الفخمة، وعمليات شراء الذمم، هي ممارسات تقوض ثقة المواطن في العملية الديمقراطية برمتها. إنها تحول الانتخابات من عملية اختيار كفاءات إلى مزاد علني، حيث يفوز من يدفع أكثر، وليس من يمتلك الرؤية والبرنامج.
هذه الممارسات لا تضر بالعملية السياسية فحسب، بل تكرس ثقافة المحسوبية والزبونية، وتنتج نخبًا لا تمثل الشعب، بل تمثل مصالحها الخاصة أو مصالح من يمولها. لذلك، فإن محاربة هذه الظاهرة ليست خياراً، بل هي ضرورة قصوى لإنقاذ مصداقية المؤسسات الديمقراطية في البلاد ،كما
لا يمكن أن تنجح أي جهود رسمية إذا لم يقابلها وعي مجتمعي. فالمواطن هو حامي إرادة الأمة، وهو من يملك قرار تغيير الواقع. إن رفض بيع الصوت، والبحث عن المرشح الذي يقدم برنامجاً حقيقياً وواقعياً، والمشاركة الفعالة في عملية الرقابة الشعبية، كل هذه خطوات أساسية نحو تحقيق النزاهة المنشودة.
إن الانتخابات الشفافة ليست مجرد واجب قانوني يقع على عاتق الدولة، بل هي أيضاً مسؤولية جماعية تتطلب يقظة المواطن، الذي يجب أن يدرك أن صوته هو أداة التغيير، وأن حمايته هي حماية لمستقبله ومستقبل الأجيال القادمة، ويبقى الحلم
بانتخابات نزيهة مشروع وضروري، وخطوة أساسية نحو بناء ديمقراطية ناضجة. وهو ممكن إذا اجتمعت الإرادة الملكية مع المسؤولية التنفيذية، ووعي المواطن. إنها ليست مجرد معركة للحصول على مقاعد، بل هي معركة حماية إرادة الشعب وضمان أن كل صوت في الصندوق يمثل خطوة نحو بناء وطن أقوى وأكثر عدلاً.
