
لطالما كان مشروع المحج الملكي في الدار البيضاء يمثل طموحًا كبيرًا لإعادة إحياء قلب المدينة القديمة، وتحويله إلى معلم حضاري يعكس هويتها التاريخية. هذا المشروع، الذي انطلق بمبادرة ملكية في عام 1989، كان يهدف إلى أن يكون واجهة سياحية وثقافية للمدينة، ولكنه ظل أسيرًا للصعوبات الإدارية والتمويلية لأكثر من ثلاثة عقود، مما جعله مثالاً على التعثر الذي يمكن أن يواجه المشاريع الكبرى،
فبعد سنوات من الركود، شهد المشروع مؤخرًا استئنافًا للأشغال، مما بعث الأمل في نفوس الكثيرين. تضمنت هذه المرحلة عمليات هدم واسعة للمباني المهددة بالانهيار، بهدف توفير مساحات لبناء حدائق، وساحات، ومبانٍ سكنية جديدة، بالإضافة إلى معرض دولي، مما يعكس رغبة حقيقية في تسريع وتيرة الإنجاز. كما أن انخراط جهة الدار البيضاء-سطات في تمويل المشروع، بالشراكة مع المجلس الجماعي وشركة « صوناداك »، يؤكد على وجود إرادة سياسية وإدارية لدفع هذا الورش إلى الأمام،

و
مع تسارع وتيرة الأشغال، برزت تحديات جديدة تتطلب تدخلًا عاجلاً. التقارير الأخيرة تشير إلى أن الوالي قد طلب عقد اجتماع مع ممثلي مجلس المدينة، وعلى رأسهم العمدة، لبحث أسباب التأخيرات التي لا تزال تؤرق المشروع. هذا الاستدعاء يعكس قلقًا حكوميًا من استمرار بطء التنفيذ، خاصة وأن المغرب مقبل على استحقاقات هامة مثل تنظيم فعاليات كبرى في عام 2030، حيث من المنتظر أن تكون الدار البيضاء أحد أبرز الوجهات،
إن القلق من التأخير ليس إداريًا فقط، بل يمتد ليشمل الجوانب الاجتماعية والإنسانية. فعلى الرغم من أن السلطات بدأت بصرف تعويضات مؤقتة للمتضررين، إلا أن التوتر الاجتماعي لا يزال قائمًا. سكان المناطق المهدومة، وخاصة ضحايا الترحيل، يطالبون بحلول جذرية ودائمة، مثل توفير بدائل سكنية ملائمة، وليس فقط تعويضات مالية مؤقتة. كما أن توقف أشغال بعض المرافق القريبة، مثل ملاعب الحي، يزيد من حالة الإحباط لدى السكان المحليين.
كما أن مشروع المحج الملكي هو أكثر من مجرد ورش بناء. إنه اختبار حقيقي لقدرة الجهات المعنية على إيجاد توازن دقيق بين عدة عوامل، منها
التنمية الحضرية ، وذلك عبر إطلاق مشاريع كبرى تساهم في تحديث المدينة، و كذلك
المحافظة على التراث ، من خلال إعادة إحياء الطابع العمراني التقليدي، والاهم
العدالة الاجتماعية ، بضمان حقوق السكان المتضررين من عمليات الهدم والترحيل.
إن استدعاء الوالي لمجلس المدينة يعكس حاجة ملحة إلى تجاوز الصعوبات البيروقراطية والتأكد من أن جميع الأطراف تعمل بانسجام تام. في ظل المشاريع الكبرى التي تشهدها الدار البيضاء، مثل توسعة ميناءها، وتحديث شبكة القطارات والترامواي، يصبح إنجاز مشروع المحج الملكي في وقته المحدد ضرورة لا يمكن تأجيلها.
إن مدينة الدار البيضاء القديمة تنتظر ولادة جديدة، ونجاح هذا المشروع سيكون دليلاً على قدرة المغرب على تحقيق التوازن بين الإرث التاريخي والطموح التنموي.

