








بقلم خالد عوفي
آسِيَة العلمي… حين يتحوّل القفطان إلى قصيدةٍ تمشي على الأجساد
في عَتَبات فاس، المدينة التي تكتنز الأسرار كما تختزن المخطوطات في خزائنها العتيقة، وُلدت آسية العلمي من رحم الضوء، كأنها سِرٌّ مُودَع في خيطٍ من حرير، أو نَفَسٌ صوفيّ تَجَسَّدَ في هيئة أنثى تحمل القفطان على أنه نشيد أبديّ لا يَشيخ
ليست آسية مجرد صانعةٍ للزينة، بل هي مؤلفة مقطوعاتٍ بصرية تُقرأ كما تُقرأ القصائد الغامضة، حيث كل غرزةٍ استعارة، وكل لونٍ رمز، وكل ثوبٍ أطروحة تحاور الزمان والمكان. في عروضها، يتحوّل الجسد إلى ورقةٍ بيضاء، وتتحوّل الأزياء إلى مدوّنات منقوشة بالذاكرة، كأنها مخطوطات من نورٍ تُتلى على أعين المتذوقين.
من باريس حيث صرير الأناقة الغربية، إلى إسطنبول حيث الجغرافيا تنصهر بين المآذن والقباب، إلى دبي حيث الأبراج تتسامى مثل مرايا للحداثة؛ كانت العلمي تمارس طقسها الإبداعي، ناشرةً قفطاناً ليس كالأثواب، بل كرسالةٍ جمالية عابرة للقارات، تُشبه الموجة التي لا تُقاس بساحلٍ واحد.
هي ابنة فاس، لكنها في جوهرها ابنة العالم؛ وطنها الحقيقي هو الخيال، وجنسيتها الوحيدة هي الجَمال. إن في حضورها ما يشي بأن المصمم لا يكون عظيماً بكثرة الأقمشة، بل بقدرته على أن يجعل من قطعة ثوبٍ معبداً للرؤية، ومن عُرضٍ مسرّةً فلسفية
آسية العلمي… اسمٌ لا يُعرَّف بحدود، بل يتردّد كترنيمةٍ سرّية في آذان كل مثقف وفنان، لأن أعمالها ليست للعيون العابرة، بل للعقول التي تُجيد الغوص في رموز النصوص البصرية
