بقلم عبدالرحيم بخاش
بطاقة الملاعب بين شبهة الوصاية وشبهة الانقلاب الدستوري
إنّ أخطر ما يهدّد البنيان الدستوري ليس غياب النصوص ولا شحّ القوانين، بل ذلك الانحراف الماكر الذي يطلّ برأسه من خلال تشريعات ملتبسة، تتزيّا بلبوس التنظيم وهي في جوهرها ضرب من الوصاية المقنّعة، ومثالها الفجّ ما اصطلح عليه بـ »بطاقة الملاعب » التي يراد لها أن تتحوّل إلى صكّ عبور وإذن مرور، لا إلى أداة ضبط وتيسير.
كيف يُعقَل أن يُصاغ دستور يقرّ في صميمه حقّ المواطن في الولوج إلى المعلومة، ثم يُجهض هذا الحقّ بقرار إداري متعسّف، يجعل من المعلومة نفسها حكراً على حاملي بطاقة مشبوهة؟ أليس في ذلك انقلاب على مبدأ المشروعية، حيث تتقدّم البطاقة المقيِّدة على النصّ المؤسِّس؟ أليس في ذلك تفريغ للدستور من روحه، وإحلال لوصاية استثنائية تحت قناع التنظيم؟
إنّ « بطاقة الملاعب » في جوهرها ليست سوى بطاقة متاعب، فهي تُشيِّد حواجز غير دستورية باسم النظام، وتُقيم جدراناً عازلة باسم التنظيم، وتحوّل المواطن من صاحب حقّ أصيل إلى متسوّل تصريح، يمدّ يده إلى إداراتٍ تُوزّع الامتياز بميزان الغبن والتمييز. إنّها تكريس لفلسفة المنع بدل فلسفة الحق، وشرعنة للاستثناء بدل تكريس القاعدة.
إنّ القول بأنّ هذه البطاقة أداة لتأمين المرفق العام أو ضبط الانسياب البشري ليس إلا تبريراً بائساً، يُخفي في طيّاته مشروعاً وصائيّاً يُفرغ المواطنة من مضمونها. فالحقّ حين يُشترط بما ليس في أصله، يغدو رهينة بيد مَن يملك سلطة المنح والمنع، وحين يُعلّق على صكٍّ اعتباطي يغدو عرضةً للمساومة والانتقاص.
إنّ خطورة هذه البطاقة لا تكمن فقط في تقييد الحضور إلى فضاءات الملاعب، بل في سابقةٍ قد تُفتح على ما هو أدهى وأمرّ: أن يصبح الدستور نصّاً زخرفياً يُستحضر في الخطب ويُجهض في الممارسة، وأن تستبدل الشرعية الشعبية بشرعية البطاقة، فيغدو المواطن مقصوص الجناح في وطنٍ صُمِّم ليُحلّق بأبنائه.
إنّها ليست بطاقة للملاعب، بل بطاقة ضد الدستور، ضد مبدأ المساواة، ضد الحقّ في المعلومة، وضد كرامة المواطن. إنّها وصاية مقنّعة بوجهٍ إداريّ، وتواطؤ سافر على مقتضيات الشرعية، وتحدٍّ صفيق لروح التعاقد المجتمعي.
