من سيتحكم في مليارات صندوق التنمية القروية؟ عودة الصراع بين أخنوش وبنكيران إلى الواجهة

يبدو أن “صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية” يعود من جديد إلى واجهة الجدل السياسي داخل الأغلبية الحكومية، بعدما أصبح الآمر بالصرف له محل تنافس محتمل بين رئيس الحكومة عزيز أخنوش ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، في مشهد يعيد إلى الأذهان لحظة التوتر التي عاشتها الحكومة السابقة في نونبر 2024، حين كاد الخلاف حول الصندوق ذاته أن يفجّر تماسك التحالف الحاكم من الداخل.

فبعد أن قدّم فريق الأصالة والمعاصرة تعديلاً على مشروع قانون المالية لسنة 2025، يقضي بتقاسم الوصاية على الصندوق بين وزارة الإسكان ووزارة الفلاحة، اشتعل الجدل مجدداً داخل الأغلبية، بعدما دخل حزب الاستقلال على الخط من خلال مطالبة رئيس فريقه النيابي نور الدين مضيان لوزير التجهيز والأمين العام للحزب نزار بركة بانتزاع إشراف وزارة التجهيز على مشاريع الطرق القروية الممولة من أموال هذا الصندوق.

ورغم محاولات الوساطة التي قادها رؤساء فرق الأغلبية، بمشاركة الوزير المنتدب فوزي لقجع، إلا أن الخلاف ظل قائماً بين “البام” المتشبث بتعديله، و“الأحرار” الرافض لأي مساس بالإشراف الحصري لوزارة الفلاحة على الصندوق.

هكذا يجد الصندوق نفسه مجدداً في قلب لعبة النفوذ الحكومية، تماماً كما حدث سنة 2016 حين نُقلت صفة الآمر بالصرف من رئيس الحكومة إلى وزير الفلاحة، لتتحوّل الأداة التنموية الموجهة للعالم القروي إلى مرآة تعكس موازين القوى داخل السلطة التنفيذية أكثر مما تعكس حاجات سكان البوادي أنفسهم.

🔸 تاريخ طويل من الجدل

يعود أصل الصندوق إلى قانون المالية لسنة 1994، حين أُحدث تحت مسمى “صندوق التنمية القروية” وكان يدبّره الوزير الأول كآمر بالصرف. وفي سنة 2012، تغيّرت تسميته إلى “صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية”، قبل أن يمنح قانون مالية 2016 سلطة الصرف لوزير الفلاحة، بالتزامن مع الرفع من الاعتمادات المخصصة له إلى ما يفوق 50 مليار درهم، تنفيذاً للتوجيهات الملكية الهادفة إلى تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بين العالمين القروي والحضري.

ويُنتظر أن يتكلف الصندوق في نسخته الحالية بتمويل برامج التنمية الترابية المندمجة، من خلال دعم التشغيل وتثمين المؤهلات الجهوية، وتقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية في مجالات التعليم والصحة والماء والكهرباء، إضافة إلى التدبير الاستباقي للموارد المائية ومواكبة التحولات المناخية التي يعرفها المغرب.

ورغم الأهداف النبيلة المعلنة، فإن الجدل السياسي حول “من يملك سلطة الصرف” يهدد بتحويل الصندوق إلى أداة لتقاطع المصالح الحكومية، بدل أن يكون رافعة حقيقية لتنمية القرى والمناطق الجبلية التي ما تزال تنتظر ثمار وعود التنمية والعدالة المجالية.