
في الوقت الذي يواصل فيه المغرب تحقيق نمو اقتصادي ويثبت وجوده كقوة إقليمية، تبرز أرقام صادمة تكشف عن تفاوت اجتماعي واقتصادي عميق. وفقاً لتقارير حديثة، يضم المغرب حالياً أكثر من 7,500 مليونير، وهو ما يضعه في المرتبة الثالثة أفريقياً من حيث عدد الأثرياء. هذه الأرقام، التي قد تبدو للوهلة الأولى مؤشراً على الازدهار، تخفي في طياتها واقعاً معقداً يتمثل في اتساع الهوة بين طبقة صغيرة تسيطر على أغلب الثروة، وأغلبية واسعة من المواطنين لا تزال تكافح من أجل تلبية احتياجاتها الأساسية.
إن وجود آلاف المليونيرات في المغرب ليس مجرد إحصائية، بل هو انعكاس لتركيز الثروة في أيدي قلة قليلة. تقارير مثل « اللامساواة العالمية » تؤكد هذا الواقع بوضوح، حيث تشير إلى أن:
10% من أغنى المغاربة يمتلكون أكثر من 63% من إجمالي الثروة الوطنية.
في المقابل، يتقاسم 50% من السكان الأفقر أقل من 5% من الثروة.
هذا التوزيع غير العادل لا يقتصر تأثيره على الجانب الاقتصادي فقط، بل يمتد ليخلق تحديات اجتماعية وسياسية كبيرة. فهو يضعف الطبقة الوسطى، التي تعد العمود الفقري لأي مجتمع مستقر، ويزيد من شعور المواطنين بالإحباط نتيجة غياب العدالة في توزيع خيرات البلاد،
لا يمكن اختزال أسباب الفقر في المغرب في عامل واحد، بل هي نتيجة لتراكم تحديات هيكلية على مر سنوات طويلة. من أبرز هذه الأسباب:
اقتصاد القطاع غير المهيكل، حيث يعتمد جزء كبير من المغاربة على أنشطة اقتصادية غير رسمية، تتميز بضعف الإنتاجية، وانعدام الحماية الاجتماعية، وتدني الأجور. هذا القطاع يساهم في إبقاء شريحة واسعة من السكان في دائرة الفقر، وكذلك
الفوارق الجغرافية ، حيث ما يزال المغرب يعاني من فجوة تنموية كبيرة بين المناطق الحضرية والريفية. فبينما تتمركز الاستثمارات وفرص العمل في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط، تفتقر المناطق القروية إلى البنية التحتية الأساسية والخدمات الصحية والتعليمية، مما يدفع سكانها إلى الهجرة والبحث عن فرص أفضل في المدن، وغالباً ما ينتهي بهم المطاف في أحياء هامشية، و المصيبة الكبرى تثمتل في الفساد وسوء الحكامة ، الذي يُنظر إليه على أنه عائق رئيسي أمام التنمية الشاملة، حيث يعيق وصول الموارد إلى مستحقيها، ويقوض مبدأ تكافؤ الفرص. إن غياب الشفافية في بعض القطاعات يمنع من تحقيق توزيع عادل للثروات ويعزز من تركزها في أيدي المستفيدين.و مع
وجود هذا العدد من المليونيرات في البلاد يطرح تساؤلاً جوهرياً ، هل يمكن لهذه الثروة أن تكون محركاً للتنمية الشاملة؟ من الناحية النظرية، يمكن للأثرياء أن يساهموا في خلق فرص عمل عبر الاستثمار في مشاريع كبرى وتطوير القطاعات الحيوية. ومع ذلك، فإن الواقع يظهر أن تركيز الثروة في أيديهم لا ينعكس بالضرورة على تحسين الأوضاع المعيشية لعامة الشعب، بل يزيد في بعض الأحيان من الفجوة الطبقية. و يبقى
التحدي الحقيقي الذي يواجه المغرب اليوم ليس في خلق الثروة، بل في كيفية توزيعها بشكل عادل لضمان استفادة الجميع من خيرات البلاد ، حيث يتطلب هذا الأمر إصلاحات عميقة وشاملة تركز على، منها
تنمية المناطق المهمشة، عبر الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية في المناطق الريفية، و
تعزيز الحماية الاجتماعية من خلال برامج تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، و الأهم
محاربة الفساد، وتطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة لضمان إدارة رشيدة للموارد.
إن المليونيرات في المغرب هم جزء من النسيج الاقتصادي، ولكن تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية يتطلب أن تكون الثروة أداة لرفع مستوى معيشة الأغلبية، لا مجرد إحصائية تعكس التفاوت وتعمق الفجوة.
